سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
العرب يدفعون ثمن الهروب الأمريكي الكبير:
صفقة القرن تعني نجاح حلم بوش..
والاعتماد علي التفجير من الداخل بدلا من الغزو الخارجي
بقلم: مراد عز العرب
هو اعتراف صريح لا يقبل التأويل, لقد انتهي الأمر ولم يبق سوي أن يرسل قادة وزعماء العالم برقيات التهنئة إلي أحمدي نجاد بعد أن أصبحت بلاده دولة نووية بكل مايعنيه ذلك من نفوذ وهيمنة في المنطقة. إسرائيل أعلنت بوضوح أنها لا تخطط لضربة ضد المنشآت الإيرانية ورئيس أركان الجيش الأمريكي يؤكد أن مثل هذه الضربة لن تحقق نجاحا حاسما, أما رئيس الوزراء التركي فلا يريد أن يتصور الأوضاع الكارثية التي يمكن أن تترتب علي مثل هذه المحاولة. ليس هذا فحسب, وإنما نستطيع القول إن إيران بدأت بالفعل في جني الثمار حيث أعلنت عن اعتقال زعيم جماعة جند الله الذي كان يحظي برعاية أمريكية وأوروبية, فإذا به يتحول إلي واحد من القرابين التي ستقدم إلي بلاط القوة العظمي الجديدة. وأيا كانت التفاصيل المتعلقة بهذا الاعتقال فإنه سيؤدي حتما إلي دعم مكانة الرئيس الإيراني في الداخل مما يحسم صراعه مع المعارضة, بل وكسب المزيد من المؤيدين لسياساته وتوجهاته التي وصفتها هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الأمريكية بأنها نموذج للدكتاتورية العسكرية. وعلينا منذ الآن فصاعدا عدم تصديق كل ما يقال في الغرب وفي وسائل الإعلام( العالمية) لأن هذه النتائج التي نتحدث عنها كانت ظاهرة وواضحة قبل وقت طويل, لكنها الطريقة المعتادة في التدرج وتهيئة الأجواء حتي يشرب العرب الدواء إلي آخره. والدواء الذي نقصده لم يأت هذه المرة من واحدة من الشركات العملاقة التي تكثر حولها علامات الاستفهام حول أرباحها الطائلة نتيجة انتشار أمراض معينة تكون قد استعدت له باحتكار العلاج الجديد, وإنما بتكرار ذات الفلسفة في الساحة السياسية انتظارا لأوضاع بالغة الخطورة تفسح المجال أمام التدخلات وعقد الصفقات. وإذا أردنا المزيد من التوضيح لعلنا نذكر خطط الرئيس الأمريكي السابق بوش وقت أن أعلن الحرب العالمية ضد الإرهاب, واتخذ من منطقة الشرق الأوسط( الكبير أو الجديد) المجال الحيوي لها انطلاقا من رؤية وقناعة راسخة بأن الخطر الأكبر الذي يتهدد بلاده وبقية المجتمعات الديمقراطية يأتي من هذه المنطقة التي يجب تحريرها واقتلاعها من جذورها حتي يمكن تشكيلها من جديد. وجاءت أحداث الحادي عشر من سبتمبر لتعطي المبرر الذي طال انتظاره لمواجهة القوة المتزايدة للعرب والمسلمين بسبب العوائد النفطية الهائلة, وامتلاكهم المخزون الأساسي من النفظ الذي يعد الشريان الحيوي للاقتصاد العالمي. واختار بوش أضعف نقطة, حسب تصوره, لإثبات القدرات العسكرية لأكبر قوة في العالم, واجتاح أفغانستان دون أن يواجه جيشا حقيقيا حيث لا تمتلك جماعات طالبان أسلحة حديثة أو معدات قادرة علي إحداث خسائر فادحة في أول الأمر. وأعطي الحسم المبكر لمعركة غير متكافئة دفعة لبوش نحو المزيد من المغامرات والغزوات ومن ثم قرر أن تكون العراق محطته الثانية, واستند في ذلك إلي أن الجيش العراقي كان خارجا لتوه من سنوات الحرب مع إيران, ومن خسائره الفادحة نتيجة خطيئة غزوه للكويت, وبالتالي ستكون نزهة أخري لواشنطن, خاصة أن الصيد هذه المرة ثمين بكل الحسابات السياسية والاقتصادية والثقافية. لم يدرك بوش أن سقوط بغداد, بصرف النظر عن نظام صدام حسين, يمثل خللا استراتيجيا يفسح المجال أمام الجارة اللدود( إيران) لاقتناص فرصة تاريخية لن تضيعها في الوقت الذي أيقنت فيه الدول الكبري الأخري صاحبة المصالح أن واشنطن تريد الاحتكار والاستئثار وحدها بأهم بقعة في العالم, وأن هناك ضرورة للعمل علي ضبط جنوح إدارة بوش قبل أن تصل إلي محطاتها التالية التي كانت قد أعلنتها في إطار المسمي الشهير بمحور الشر. تحولت النشوة الكاذبة بالانتصار إلي ورطة كبري عندما تزايدت الخسائر البشرية والمادية الأمريكية في رمال العراق المتحركة, ويسجل التاريخ صفحات سوداء في الممارسات العنصرية التي أفقدت واشنطن مصداقيتها, وفشل مشروع إقامة النموذج الذي يحتذي في الحرية والديمقراطية, ودفع بوش الثمن وغادر غير مأسوف عليه البيت الأبيض. يختار الشعب الأمريكي الشاب الأسود أوباما الذي ينادي بالتغيير وبدء صفحة جديدة, لكن الرياح العاصفة التي خلفتها الحروب والأزمات لم تمهله فإذا به يعلن عن إحباطه وفشله في تسريع وتيرة عملية السلام التي كانت تمثل طوق النجاة لإعادة المسار الصحيح وكسب التأييد من شعوب المنطقة. وشيئا فشيئا يزداد العجز الأمريكي عن تحريك الملفات الرئيسية علي الساحة الدولية, وبات واضحا أن واشنطن تفضل قيام بعض العواصم المتحالفة معها بأدوار نشيطة كما حدث في الحالة السورية التي استدعت تدخلا فرنسيا وتركيا لإقامة جسور للحوار معها, ولا مانع من أن يكون هذا الحوار مزدوجا بما يحقق المصالح الغربية من ناحية, والمصالح السورية الإيرانية من الناحية الأخري. وكان واضحا كل الوضوح أن إدارة أوباما تركز علي أمر واحد تضعه نصب أعينها, وهو الانسحاب من العراق بأسرع وقت ممكن, وهو ما أعلنه صراحة الرئيس الأمريكي الجديد في أثناء حملته الانتخابية, وجري التشديد عليه أكثر من مرة إلي الدرجة التي تم تأكيد أن هذا الانسحاب سوف يحدث مهما كانت الأحوال السياسية في العراق, وهو المعني الذي أكده وزير الدفاع الأمريكي قبل أيام بقوله: إن نسبة ضئيلة من الجنود الأمريكيين سوف تظل في العراق بعد عام2011, كما أن المعدلات المعلنة أشارت, لأول مرة, إلي انخفاض العدد الآن إلي أقل من مائة ألف, ومن المنتظر أن يتوالي الانسحاب بوتيرة أسرع في المرحلة المقبلة. هذا الهروب الكبير من العراق له أسبابه الظاهرة, وهو الابتعاد بالعدد الأكبر من القوات عن مرمي الصواريخ الإيرانية, لأن الواقع الميداني قد جعل من العدد الهائل من الحشود العسكرية الأمريكية رهينة يسهل اصطيادها في حالة اندلاع اشتباكات قد تعقب ضربة عسكرية محتملة ضد المنشآت النووية, وهو الأمر الذي تشير كل الدلائل والمعطيات إلي استبعاده نتيجة التوازنات الحالية. أما الأسباب غير المعلنة للهروب الأمريكي الكبير فهو إفساح المجال أمام إيران للقيام بما عجز عنه بوش, وبمعني أن يتم التغيير المستهدف في المنطقة من خلال التفاعلات الإقليمية بعيدا عن التدخل العسكري المباشر, وتوفيرا لفاتورة باهظة من الخسائر البشرية والمادية. الدور الإيراني المقبل سوف يحرك الجبهات الداخلية في دول الجوار بما يملكه من أدوات وأذرعة سياسية وإعلامية, وبما لديه من نفوذ واسع عند شريحة من سكان المنطقة نتيجة لمرجعيات دينية تجعل الانتماء لطهران أقوي من الأوطان الأصلية. وقد عبر عن ذلك كله واحد من كبار الكتاب في منطقة الخليج عندما أشار في رده علي الذين يروجون للدور الإيراني قائلا: إن صدام حسين لو امتلك القنبلة النووية وتوازن القوي لما خرج من الكويت حتي الآن لأن الدول الكبري لم تكن لتغامر بمواجهته, والحالة نفسها مع إيران إذا امتلكت مثل هذا السلاح النووي, أو استطاعت أن تحقق توازنا في القوة لأنها إذا قامت بضم البحرين, كما فعلت مع الجزر الإماراتية الثلاث, وإذا طالبت بخصوصية وضع حزب الله في لبنان, والأقليات الشيعية في السعودية وبقية بلدان الخليج, فلن يتحرك المجتمع الدولي. هكذا يكون بوش قد حقق حلمه بعد خروجه من البيت الأبيض نتيجة إشاعة الفضوي في المنطقة, وإحداث تغيير بالغ الخطورة. وهكذا تتحدد ملامح صفقة القرن بين واشنطن وطهران التي يجري الآن التباحث حول تفاصيلها الدقيقة والنهائية.