قرأت فيما قرأت خبراً يقول إن حاكم إمارة الشارقة "الإنسان المثقف" الذى يعمل دائما على نشر ألوية الثقافة فى إمارته وفى أنحاء عالمنا العربي، والذى يقيم ويحتفى بالفعاليات الثقافية الدكتور سلطان القاسمى كرم رواة السيرة الهلالية فى احتفالية امتدت على مدى ثلاثة أيام، وأقيمت بقصر ثقافة الشارقة باعتبار أن هؤلاء الرواة يمثلون كنوزا بشرية من الواجب رعايتها، والمكرمون جميعا من رواة السيرة من شعراء مصر واجتمعت فيهم ثلاثة أجيال كان على رأسهم كبيرهم "سيد الضوي" ثم عبدالباسط فرج الذى يمثل جيل الوسط ثم أصغر الشعراء سناً محمد نصر الدين، ويقول الخبر أيضا إن الحفل كان زاخراً بالعروض الفنية، حيث قدمت فرقة السيرة الهلالية المصرية عدة أساليب متنوعة من أداء السيرة مع استخدام الآلات الموسيقية الشعبية كما عرض فيلم وثائقى عن الشاعر "سيد الضوي" وغير ذلك من العروض التى أعطت إبهاراً وجمالاً للاحتفالية. ولعلى فى هذا السياق أقول إنه فات المحتفلون بالسيرة وشعرائها وغاب عنهم اسم أستاذ أساتذة السيرة الهلالية وعمهم وشيخهم الأكبر الشاعر الراحل جابر أبوحسين، الذى أعتقد جازما أن كل هؤلاء المحتفى بهم يعرفون أستاذيته لهم، وأنهم جميعا نهلوا من فيضه وساروا على نهجه وتعلموا منه الكثير، وكم كانت السعادة ستغمرنى لو أن اسم جابر أبوحسين أو الشيخ جابر كما هو لقبه قد لحقه التكريم عرفانا بفضل صاحبه الراوى الأكبر للهلالية الحافظ لكل دروبها والعارف بمسالكها، والشيخ جابر يرحمه الله أظنه من إحدى قرى مركز البلينا التابع لمحافظة سوهاج، وكان يرتدى الجبة والقفطان ويضع على رأسه العمامة الأزهرية. وكان للرجل وقاره وهيبته، والسيرة الهلالية وشاعرها الشيخ جابر لهما ذكريات عزيزة وغالية تعود إلى حوالى أربعين عاما، ففى أخريات 1976 وكنت وقتها مديراً لإذاعة الشعب، زارنى فى مسكنى بلدياتى الصديق الشاعر عبدالرحمن الأبنودى وأرهص لى بفقرة تقديم السيرة الهلالية على موجة تلك الإذاعة، وطابق المقال المقام فإذاعة الشعب هى أنسب منبر إعلامى تقدم من خلاله هذه السيرة التى افتتن بها الناس وكل طوائف الشعب المصرى والعربي، إضافة إلى أن السيرة كانت لا تزال تعيش فى وجدانى منذ طفولتى منذ أن كان شاعر الربابة يزور قريتى ويلتف حوله الناس يستمعون إلى أبوزيد الهلالى والزناتى خليفة وقصص يونس مع عزيزة، كان الأبنودى يصطحب معه الشيخ جابر أبوحسين الذى رحبت به واتفقنا على كل شيء. وفى إحدى لوكاندات ميدان العتبة أقام الشيخ ومعه ضابط الإيقاع المصاحب له، وكان فى كل صباح وعلى مدى أكثر من شهر يحضر الأبنودى ومعه الشيخ ليقوما بتسجيل حلقات السيرة التى وضعناها على خريطة البرامج بحيث تذاع على حلقات كل حلقة لمدة ربع ساعة من الثامنة والربع مساءً إلى الثامنة والنصف. وعلى مدى عام كامل من أول يناير 1977 إلى 31 ديسمبر من نفس العام أذيعت السيرة بأداء الشيخ جابر، الذى كان يعزف على الربابة بمصاحبة ضابط الإيقاع على الرق، والتف الناس حول السيرة، وكانت رسائلهم تصل إلى إذاعة الشعب فى "زكائب" من كثرتها،هذا يفرز وذاك يضيف وهكذا. لقد كانت رسائل السامعين عرفانا بحق جابر أبوحسين فى عمادة شعراء السيرة أن يكرم اسمه فى محفل الاحتفال بشعراء السيرة فى إمارة الشارقة. نقطة أخيرة لابد وأن أضمها لهذه الذكريات لأن صدرى يضيق بها، وها هو ينطلق، فأقول إن العجب يتملكنى من الصديق عبدالرحمن الأبنودى الذى عندما يحكى ذكرياته مع السيرة فإنه لا يشير إلى إذاعة الشعب التى كانت منبراً له أطلق منه السيرة الهلالية، حيث كان يشرح ويفسر ما يقوله جابر أبوحسين رابطاً الأحداث بعضها ببعض!