ضعف الأمة العربية من ضعف لغتها, وقوتها في قوة لغتها, وإذا أردت إضعاف أمة استهدف لغتها, لأن أقصر الطرق إلي إضعاف هذه الأمة باستهداف لسانها بالتهميش والاستهانة, والواقع أن عملية إضعاف اللغة العربية في مدارسنا وجامعاتنا, خطر فادح يحيق بمصير ووطننا العربي كله ويهدد هويته ووجوده. في البداية أكد الدكتور مدحت الجيار أستاذ الأدب العربي بجامعة الزقازيق أن اللغة تمثل وجه الأمة الحضاري, ورصيدها الثقافي والفني بما ينطوي عليه أدبها من فنون الشعر والنثر والحكم والأمثال, فكل ما ينطوي عليه حصاد الإرث الثقافي والعقائدي وثروتنا من القيم الاجتماعية والعادات والتقاليد من نتاج اللسان والقلم ويودع في ذمة اللغة. وأضاف لقد كانت أمتنا العربية قوية بلغتها وثقافتها وفكرها, ويشهد لها العالم بما قدمت للبشرية من إنجازات علمية هائلة يوم كانت أوروبا تغط في سبات عميق من الجهل والتخلف. مؤكدا أنه إذا شكك اليوم مشكك بقصور لغتنا في مضمار العلم والتكنولوجيا الحديثة فهو قصور في مستخدمي اللغة وليس في لغتنا العربية التي أثبت التاريخ أنها علي رأس لغات العالم قابلية للتطور وخدمة العلم والعلماء. من جانبه يقول الشاعر أحمد بخيت إن للغة دورا أساسيا في وجود الأمة وتميزها عن غيرها, فهي تفرض علي المتحدث نمطا خاصا من العيش يجسد حصيلة الموروث الفكري والتاريخي والاجتماعي لمكتسباتها الحضارية من الماضي حتي الحاضر في صيرورة تنسجم مع طبيعتها في الرؤية والحركة والفاعلية, والأمة التي لا تحافظ علي لغتها لا تحافظ علي تاريخها وأمجادها التي يفترض أن تكتب بلغتها الفصحي. وقال إن ضياع اللغة ضياع للحضارة وفقدان للصلة بالأصول والجذور,مؤكدا أن اللغة هي العروة الوثقي التي تربط وتوثق مسلمي العالم بأشقائهم العرب في المهجر, فاللغة تجسد العلاقة المستمرة بين الماضي والحاضر. وهي المعادل الحقيقي للحضارة والثقافة والعقيدة والفكر والانتماء. وأضاف أن استهداف اللغة استهداف للفكر, فالإنسان في مجتمعه وبين أهله وذويه يتخيل ويفكر بوحي من لغته القومية ويتكلم بوحي من أفكارها, والكائن الحي الذي لا ينطق لا يفكر ولا يعقل أو يتذكر, ومن كانت لغته سليمة كان تفكيره سليما, ومن كانت لغته ضعيفة كان تفكيره ضعيفا, ونحن نفكر لأننا نتكلم ومن يستهدف اللغة بقصد إضعافها يسعي لإيقاف مسيرة الأمة, فاللغة هي الوعاء المتجدد الذي يسعي بالأمة في سلالم الرقي والتقدم, وهي الرحم الذي ينجب كل جديد ويولد الإبداع والابتكار. وأكد بخيت أن تحصين الأمة يبدأ من تحصين لغتها, ولا شك نحن بهذا نشير إلي لغتنا العربية, فإرادة التغيير العربية إن شئنا لها أن تكون ينبغي أن تبدأ من إرادة الشعوب العربية باستعادة قوة لغتهم العربية وأمجادها, والوقوف بوجه معاول الهدم المغرضة التي تستهدف الكيان العربي من خلال إضعاف اللغة العربية أهم عوامل وحدة الأمة, وأصلب قلاع مواجهة الحروب النفسية والطائفية والعنصرية قبل الحروب العسكرية. أما الشاعر ناجي شعيب فقال إن الاهتمام والاعتزاز باللغة هو المعيار الأساس في تقييم صلابة الانتماء إلي الأمة, وعلي العكس الاستهانة باللغة دليل ضعف وتراجع, بدأ بشيوع اللافتات التي تكتب باللغات الأجنبية علي واجهات المؤسسات والمباني إلي تداول الألفاظ غير العربية ضمن اللغة الدارجة في الشارع, في أحاديثنا وتصدم أسماعنا داخل الشوارع والأحياء وفي الجامعات والمدارس وداخل المنازل, فأي ضعف واستهانة باللغة؟ وأكد أن حملة الهجوم علي الهوية العربية والإسلامية لا تقف عند حد, فقد أصبحت المؤسسات الخاصة والرسمية وشبه الرسمية تتخذ من اللغة الأجنبية وسيلة تواصل في مكاتباتها, فماذا تبقي للغتنا الجميلة من رصيد اعتباري؟ ومهما قيل عن استحالة انقراض العربية لارتباطها بالقرآن الكريم الذي يشكل جسرا للتواصل بين العرب المسلمين الذين بات تمددهم يغزو العمق الأوروبي والأمريكي فضلا عن آسيا وإفريقيا, فان إضعاف اللغة وإرباك إشعاعها يحول دون تسارع هذا المد, ولذلك بات علي رأس مخططات الساعين لضرب وحدة العرب, إضعاف لغتهم الحية كمقوم من مقومات نهضتهم. أما الدكتور حسن عبد الحميد أستاذ الفلسفة بجامعة عين شمس فقال إن لغتنا العربية الجميلة, لغة القرآن, الشعر والأدب وعنوان الحضارة, لا تستحق أن تضام من أهلها في ديار العروبة والإسلام, ويشيح جيل الأحفاد عنها, ويديرون لها ظهورهم, هذه اللغة التي حفظت لهم عقيدتهم ومآثرهم, وتقابل اليوم منهم بكل هذا النكران والجحود, وأصبح حتي الحديث عنها في خارج السياق بحجة قصورها وعجزها عن مسايرة العلم والتكنولوجيا الحديثة.