أعتقد أن أس البلاء فى المنطقة العربية كان غزو أمريكا للعراق فى 2003، فمنذ ذلك الوقت والنظام العربى يترنح ومناعته تتآكل حتى جاء الربيع العربى ليقضى على البقية الباقية منها وإذا كان مجرم الحرب بوش الابن قد بشرنا بأن يكون العراق نموذجا يحتذى فقد تحققت بشارته فى عهد أوبا ما الذى ألحق بالشعوب العربية أضرارا لا تقل عن جريمة إحتلال العراق. أنظر حولك إلى تحالفه المشبوه مع تركياوقطر لتدمير سوريا وقبلها ليبيا وتسليمها للميليشيات والجماعات التكفيرية لإستكمال ما بدأه الناتو وكأن المطلوب ألا تعود ليبيا كما كانت دولة موحدة تحكمها حكومة مركزية، بل صومال أخرى تضاف إلى الدول الفاشلة التى صارت بضاعة الغرب الجديدة لتسويقها فى المنطقة. والمفارقة أن الكذاب بوش كان يبيع للعراقيين وهم الديمقراطية، فإذا بهم يستيقظون بعد فوات الأوان على ديمقراطية القتل والتعذيب والاغتصاب فى سلخانة أبوغريب، ويحصل كل منهم على نصيبه من التفجيرات والسيارات المفخخة التى حصدت أرواح مئات الألوف، وكأن ما ألقته مقاتلات أف 16 و بى 25 وصواريخ توماهوك لا يكفى وكان من الممكن أن يتعافى العراق من محنة الاحتلال لولا شجرة الطائفية التى غرسها بوش ورعاها أوباما حتى فرقت العراقيين شيعا وأحزابا، مما مزق النسيج الوطنى لواحدة من أعرق الدول العربية وأكثرها حضارة. وعندما ثار الليبيون ضد نظام القذافى دخلت واشنطن على الخط وقادت عملية تدمير البلد العربى الغنى بالنفط من الخلف، متشحة بغطاء عربى وفرته الجامعة العربية، وبكل أسف شاركت بلدان عربية فى قصف ليبيا مثل قطر تحت شعارات براقة مثل تخليص الشعب الليبى من الديكتاتور والآن من الذى يخلصه من جحيم الجماعات التكفيرية والداعشية؟ التى حولت البلد العربى إلى مرتع للقتل والتفجيرات وذبح الأبرياء وإذا ما توجهت مصر إلى مجلس الأمن بحثا عن قرار دولى لإصلاح ما أفسدته أمريكا وحلفاؤها اصطدمت بالفيتو اللعين والتذرع بمحاولات تشكيل حكومة توافق، تعلم واشنطن قبل غيرها استحالة التوصل إليها، فى ظل الفكر الأيديولوجى الذى يسيطر على هذه الجماعات المتوحشة. ومن المؤكد أن لواشنطن مصلحة مباشرة فى إطالة أمد الفوضى بليبيا لاستخدامها خنجرا مسموما للضغط على مصر الجديدة التى شقت عصا الطاعة الأمريكية، وتصرفت قيادتها بطريقة مستقلة، سواء إبان التحرك لتنفيذ إرادة الشعب بعزل مرسى أو عند توجيه الضربة الجوية لدرنة، انتقاما لأشقائنا الذين ذبحتهم داعش بسكين بارد. لكن فات أمريكا التى تساند دواعش ليبيا وتحاربهم فى العراقوسوريا أنها تقدم لنفسها صورة بائسة حول العالم كما أن مصالحها ومصالح حلفائها لن يكونوا بمأمن من الغول الذى تربيه، تماما مثلما سبق ودفعت الثمن لرعاية بن لادن.والمتأمل لمنطقتنا العربية التى تحولت إلى ساحة لتجريب الأفكار والطروحات الأمريكية فيما يمكن وصفه بعولمة الحروب يجد أن جميع الحروب التى نشهدها منذ تفجيرات 11سبتمبر ترفع شعار مكافحة الإرهاب، مع أن الإرهاب لم يزدد إلا توحشا، وتمدد ليلتهم العراق والصومال وسوريا وليبيا واليمن، كما عرفنا لأول مرة ما يمكن تسميته خصخصة الجيوش، فبعد تجربة غزو العراق وغرق أمريكا فى الوحل العراقى، لجأ بوش الابن إلى جلب المرتزقة من كل حدب وصوب ليقاتلوا العراقيين، والسوريين والليبيين من بعدهم وسمعنا عن فضائح بلاك ووتر وغيرها من تجار الحرب. إن ما تقوم به داعش ليبيا من جرائم هدفها هدم الدولة الليبية وتمزيق الشعب الليبى بحيث لا تقوم لليبيا قائمة فى المنظور القريب، وهذا هو السر فى عرقلة واشنطن لرفع حظر تسليح الجيش الليبى. وظنى أن واشنطن لديها مخطط للتخلص من كل الجيوش العربية النظامية وتسليم شعوبها إلى الميليشيات المسلحة لتعيث قتلا وترويعا.