لم تعد مشكلة الغرب مع الإسلام والمسلمين تتعلق بإرهابي مجنون خرج عن حدود السيطرة وأطلق طلقات طائشة في محفل أو متجر أو كنيس يهودي أوصحيفة في عاصمة من العواصم الأوروبية يسقط علي إثرها عدد من الضحايا الأبرياء من المدنيين أو رسامي الكاريكاتير أو الكتاب الملحدين, ولم يعد الحل مجرد الإدانة والمواساة من جانب المسئولين والرؤساء والقادة والزعماء, ولا في توعد الجناة بالتصفية الجسدية و الملاحقة القضائية والبوليسية والوضع علي قوائم ترقب الوصول في المطارات, وتثبيت مئات الكاميرات في الشوارع والميادين, ومراقبة كل مشتبه به في حركاته وسكناته وتقييد هامش الحرية المتاح لفئة بعينها دون الآخرين, وإنما الحل يتمثل في مراجعة شاملة من جانب كل المعنيين بالأمر في أوروبا لمنهج التعامل مع جوهر المشكلة الأساسي الذي أفرز هذا الجو المسموم في القارة العجوز إزاء شبح الخوف المرضي من الإسلام كديانة سماوية والذي يعرف في الأدبيات الأوروبية بال إسلاموفوبيا بمنتهي الشجاعة والصراحة والوضوح. فالخوف علي الثقافة الأوروبية من خطر المد أو الخطاب الإسلامي- علي حد تعبير الكثير من الكتاب والمنظرين والمبدعين والمثقفين بل والمسئولين الأوروبيين- هو ما يدفع الكثيرين منهم إلي الإساءة عن عمد إلي الدين الإسلامي والاعتداء علي بعض المسلمين من وقت لآخر هنا وهناك, وتدنيس مساجدهم ومقابرهم, والسخرية من معتقداتهم علي الملأ وعلي صفحات الجرائد وفي الفضاء الافتراضي وعلي شاشات الفضائيات, والتضييق عليهم في كل مظاهر الحياة, وهي حوادث بالمئات, هو ما يدفع بإرهابي مأفون, أو متشدد معتوه لا يعرف مبادئ الدين الإسلامي بشكل صحيح إلي ردود فعل كالتي حدثت في أسبوعية شارلي إبدو الفرنسية وفي العاصمة الدنماركية أمس الأول. في كل حادث مشابه تبادر الاتحادات والمنظمات الإسلامية الأوروبية إلي المسارعة بإعلان إدانتها بأشد العبارات لتبرئة ساحتها, بينما يصر المسئولون الأصليون الذين تسببوا بكراهيتهم المعلنة للإسلام وللمسلمين علي موقفهم الكاره والمزدري والساخر, وتندفع مؤسسات أخري لتكرار الإساءة دعما لضحايا الحادث وللموقف العنصري الجارح لمشاعر المسلمين المعتدلين الذين يشكلون أغلبية الوجود الإسلامي في القارة البيضاء. فيما يتعلق بهجومي كوبنهاجن الأخيرين أدان كل من المجلس والاتحاد الإسلامي الدنماركي ومسلمون من أجل السلام الهجومين اللذين أسفراعن مقتل شخصين وإصابة خمسة آخرين, شاركهما الإدانة أسامة محمد السعدي( إمام مسجد جريمهوج) في غرب الدنمارك الذي حذر من شيطنة المسلمين. أحد الهجومين استهدف رسام الكاريكاتير السويدي الوقح لارس فيلكس الذي وفرت له الدولة حماية شرطية بعد تلقيه تهديدات بالقتل ولم تبحث في أسباب التهديد وتجاهلت تماما وقاحته وسفالته واجتراءه علي شخص الرسول الكريم محمد صلي الله عليه وسلم عندما رسم له كاريكاتيرا متخيلا في صورة كلب عام.2007 فإذا كانت أوروبا جادة في وقف مثل هذه الهجمات الإرهابية والحوادث البشعة التي يدينها المسلمون قبل غيرهم لتعين عليها قبل بحث سبل مواجهة المتطرفين والإرهابيين أن توقف أمثال هذا الرسام الغبي عند حده بما يتناسب مع تراث أوروبا الثقافي الذي يقوم علي التعددية وحرية التعبير, قبل أن يتزاحم زعماء أوروبا علي سفارات بعضهم البعض لإدانة تلك الحوداث الإرهابية البشعة. ازدراء الأديان والسخرية من معتقدات الآخرين والعنصرية البيضاء أخطر علي أوروبا والعالم كله من خطر الإرهاب, لأن أوروبا لو التزمت بمعايير واحدة وتراجعت عن ازدواجية المعايير التي اعتادت ممارستها منذ قرون لانعدم وجود مثل هؤلاء الإرهابيين الأغبياء.