يعد الصراع الروسى - الغربى حول أوكرانيا الحلقة الأحدث فى الحرب الباردة بين المعسكرين الشرقى والغربى التى قد تتحول فى أى وقت إلى بؤرة توتر خطيرة فى قلب أوروبا، مع استبعاد احتمالات تحولها إلى مواجهة عسكرية شاملة بين الطرفين لاعتبارات تخصهما معا، رغم الضغوط الهائلة التى يفرضها الغرب على روسيا فى صورة عقوبات اقتصادية مؤلمة، ورغم أن الصراع أسفر حتى الآن عن مقتل أكثر من 5300 شخص فى غضون عشرة أشهر. فرغم انهيار الاتحاد السوفييتى فى العام 1989، وحل حلف وارسو، وتغير خريطة التحالفات فى أوروبا، مازال الغرب يحاول كسر إرادة روسيا (الوريث الشرعى للاتحاد السوفييتى السابق) بزعامة الرئيس القوى فلاديمير بوتين بسحب المزيد من حلفائه السابقين إلى معسكر"الناتو" والاتحاد الأوروبي، والذى وصل إلى محطة أوكرانيا، بالعقوبات الاقتصادية والتحركات الدبلوماسية ومساندة كييف، إلا أن القيصر الجديد يبدو مصرا على عدم التسليم هذه المرة، بل وسيمضى فى إملاء شروطه بالكامل على أوروبا على الأقل فى المرحلة الحالية. فبعدما لاحت بوادر انفراج محدود للأزمة أمس بسبب المباحثات الهاتفية المطولة بين بوتين ونظيريه الفرنسى فرانسوا هولاند والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل والأوكرانى بترو بوروشنكو والتى اتفقوا فيها على الالتقاء فى مينسك بعد غد للاتفاق على خطة سلام، إلا أن القيصر حذر من انه سيتعين عليهم قبول عدد من النقاط يمكن اعتبارها شروطا مسبقة، حيث أكد لنظيره البيلاروسى ألكسندر لوكاشنكو أن هذه القمة ستعقد بعد الاتفاق على هذه النقاط التى بحثوها بكثافة خلال الأيام الأخيرة. الدول الأوروبية من جانبها تعارض إرسال أسلحة إلى أوكرانيا، وتواصل العمل للتوصل إلى سلة إجراءات لتسوية شاملة للنزاع تأخذ "صيغة النورماندي"وتضم الدول الاربع، فى الوقت الذى أعلنت فيه الرئاسة الأوكرانية توقعها إعلان وقفا فوريا غير مشروط لإطلاق النار، إلا أن الولاياتالمتحدةالأمريكية من جانبها - ربما بحكم بعدها الجغرافى عن جبهات القتال - أعلنت رغبتها فى تسليح كييف لدعمهم على مواجهة الانفصاليين الموالين لروسيا عسكريا، وكأنها بهذه الرغبة تريد أن تصب مزيدا من الزيت لإشعال الصراع من جديد رغم حرص شركائها الأوروبيين على التوصل لتفاهمات سياسية لحل سلمى لا يكلف أوروبا حربا لا مبرر لها، قد تطولهم نيرانها، وهو الأمر الذى ظهر جليا أمس فى صورة تراشق ألمانى أمريكى حاد. المبادرة الفرنسية - الألمانية والتى تعد "الفرصة الاخيرة" تهدف إلى تحقيق سلاما على الأرض وليس سلاما على الورق وفقا لتعبير وزير الخارجية الفرنسى لوران فابيوس فى مؤتمر ميونيخ للأمن أمس، حيث قال "لا احد يريد الوقوع فى فخ حرب شاملة"، فيما اعترف نظيره الألمانى فرانك فالتر شتاينماير بأن الأوروبيين بعيدون عن التوصل الى حل، وربما يبرر هذا مصادقة وزراء الخارجية الأوروبيين اليوم على تمديد العمل بلائحة العقوبات الأوروبية على موسكو. أما بخصوص الخطة الفرنسية الألمانية فهى تهدف إلى تحقيق حكم ذاتى أوسع للمناطق المتمردة، وتوفيرمنطقة منزوعة السلاح على طول خط المواجهة. بينما يبقى وضع الأراضى التى سيطر عليها الانفصاليون، ومراقبة الحدود أمورا معلقة. من ناحية أخرى تبقى المعارك الكثيفة فى ديبالتسيف وقرب ماريوبول عقبة فى سبيل المبادرة قد تقوض الجهود الدبلوماسية الجارية. ومع ذلك يبدو الموقف البريطانى من الأزمة متشددا إزاء موسكو ومتوائما مع الموقف الأمريكى حيث اتهم وزير الخارجية البريطانى فيليب هاموند بوتين بانه يتصرف مثل "طاغية من القرن العشرين"وهدد باحتمال تطور موقف بلاده من الأزمة رغم قوله انه لم يكن واردا إرسال أسلحة إلى كييف فى الوقت الراهن، بما يشير إلى انقسام المعسكر الغربى على نفسه بين من يريد إزكاء نار الصراع وبين من يحاول وأد الفتنة لتجنب تصعيده إلى درجات قد تخرج عن السيطرة، وهو ما أشار إليه فابيوس بقوله: لا يمكن ان نسمح لأنفسنا بأن ننقسم، لدى حديثه عن احتمالات تزويد أوكرانيا بأسلحة فتاكة مع اعترافه بصعوبة الوضع الحالى فى ضوء إدراك أوروبى بالقدرات العسكرية الروسية الهائلة التى قد تضطر إلى استخدامها فى حال لم يتم التوصل إلى اتفاق.