لا تخلو تصريحات مسئول عسكري هو الرئيس السابق لهيئة أركان الجيش البريطاني اللورد دانات التي أكد فيها أمس الأول أن بلاده تحتاج لنشر قواتها من جديد في العراقوسوريا تحت ذريعة محاربة تنظيم داعش الإرهابي من دلالات خطيرة جدا علي مستوي خطط المملكة المتحدة المستقبلية بشأن بلاد الرافدين وجارتها سوريا التي حولتها الحروب التي تدور علي أرضها إلي كيان ممزق سياسيا, محطم اقتصاديا يفتقد للحد الأدني من أسباب الأمن والاستقرار, ورغبتها الأكيدة في العودة إلي المشاركة في احتلاله من جديد! ورغم أن اللورد البريطاني لم يعد في موقع المسئولية التي تخول له كشف نوايا بلاده تجاه المنطقة, فإن لتصريحاته- التي يمكن اعتبارها بالون اختبار أو تسريبا مقصودا- مغزي واضحا ربما يعكس جزءا من مخططات الغرب بزعامة الولاياتالمتحدة تجاه هذين البلدين. دانات اعترف خلال تصريحاته الصحفية بأن الغرب يحصد القليل مما زرعه في العراق في إشارة منه إلي أنه يتعين علي قوات الاحتلال الأنجلوساكسونية العودة من جديد إلي هذه المنطقة الساخنة من العالم بحجة استئصال شأفة الإرهاب المتمثل في تنظيم داعش, علي اعتبار أن هذا التنظيم الإرهابي ظهر علي غير توقع من قوات الاحتلال التي غادرت الأراضي العراقية بعدما اطمأنت إلي تحولها إلي واحة للديمقراطية حسب مزاعم قادة البيت الأبيض و10 داوننج ستريت التي نشرت علي لسان مسئولي البلدين لتبرير جرائمهما المشتركة في محافظاتالعراق. رئيس هيئة الأركان البريطانية السابق أكد أيضا في تصريحاته التي أوردتها صحيفة الإندبندنت البريطانية في نسختها الإلكترونية أمس الأول أن بلاده قد تحتاج إلي تجاوز الالتزام بالضربات الجوية والرحلات الاستطلاعية إلي إنزال قوات برية! مشيرا إلي أن المملكة المتحدة وغيرها من البلدان التي أجبرت صدام حسين علي التخلي عن السلطة بعد غزو العراق عام2003 تتحمل بعض المسئولية عما حدث منذ ذلك الحين, زاعما أن ما حدث بعد ما وصفه ب النجاح العسكري طوال سنوات الغزو, هو أنه لم تكن هناك خطة وافية حول ما سيحدث بعد ذلك, وفات اللورد دانات الإشارة إلي التجاوزات والانتهاكات الفاضحة بحق حقوق الإنسان العراقي التي ارتكبتها قوات الاحتلال البريطانية والأمريكية من قتل وتعذيب وتشريد وسرقة واغتصاب خلال سنوات الاحتلال. ومضي الجنرال السابق في مزاعمه بالقول لقد فقدنا السيطرة علي الوضع, وأعتقد أن الكثير مما نراه الآن هو نتيجة لسوء التخطيط خلال عامي2003 و2004.. ولذا فأنني أخشي أننا نجني قليلا مما زرعناه, ولكن علينا أن نواجه الحقائق, وأن نستعد لمواجهة الظروف التي وجدنا أنفسنا فيها. في تصريحات دانات حق يراد به باطل, إذ لا يختلف أحد علي إدانة ما يرتكبه تنظيم داعش من خروقات بحق الشعبين السوري والعراقي تصل إلي حد جرائم الحرب تستلزم وقفة جادة من المجتمع الدولي لمواجهتها علي الوجه الأمثل, وليس بريطانيا وأمريكا وحدهما, ولكن هذا في حالة مالم تكن واشنطن نفسها ومعها حلفائها الغربيين وراء منح هذا التنظيم أسباب القوة والتفوق التي مكنته من ارتكاب جرائمه ومنها ما رصده الجيش العراقي خلال الأسابيع القليلة الماضية من إسقاط طائرات التحالف أسلحة وذخائر علي المناطق التي كانت تحت سيطرة التنظيم لمنحة قوة إضافية مكنته من إحكام سيطرته علي مساحات كبيرة في العراق- وهو ما يفسر تفوق هذا التنظيم الإرهابي في بداية ظهوره علي الجيش العراقي وقوات البشمركة في كردستان العراق علي مدي شهور- ما يكشف طبيعة المخطط الغربي من تسمين داعش والتراخي في مقاومته وتأجيل مواجهته حتي يضج العالم كله بالشكوي واستشعار الخطر لتبرز قوات الاحتلال الأنجلوساكسونسة من جديد كمنقذ للعالم من شر الإرهاب المحسوب( زورا وبهتانا) علي الإسلام, خاصة وأن وسائل الإعلام الغربية تصر علي وصف التنظيم ب الإسلامي للصق تهمة الإرهاب بكل ما ينتمي لهذا الدين. وقد تكون نوايا المسئولين الأمريكيين والبريطانيين معا العودة لهذه المنطقة بقواتهما البرية لتنفيذ باقي مخططاتهما وإعادة ترتيب الأوراق في البلدين- تحت ستار التصدي للإرهاب- أملا في إنجاز جديد يقربهما معا من الشرق الأوسط الممزق وليس الجديد.