إنه نموذج جديد من التفكير يبحث في حل المشكلات بطرق غير تقليدية وغير نمطية, حيث يهدف في الأساس إلي تغيير القوالب الفكرية الثابتة في عقولنا, وإعادة بنائها من جديد, فذلك الثبات من شأنه أن يجعل من العقل مجرد نظام تذكر تلقائي للقوالب الفكرية المصوغة مسبقا, أما التفكير خارج الصندوق فيعمل علي تقويض الأفكار القديمة التي تجاوزها الزمن وإعادة بناء كل ما تم تعلمه. فالتفكير خارج الصندوق يهدف إلي القضاء علي نظام التقولب الفكري, وجعل القوالب الفكري في حالة دينامية حتي تقود أفكار الفرد معرفته المستقبلية. إنه تفكير شامل عملي توليدي يسعي إلي ابتكار الأشياء وإيجاد حلول للمواقف الغامضة, والابتعاد عن النمطية المعتادة, ويختلف هذا النمط التفكيري عن التفكير الرأسي التقليدي, في الوقت الذي يعمل فيه هذا التفكير الجديد بلا حدود ولا يسير وفق خطوات محددة مخططة مسبقا, نجد أن التفكير التقليدي الرأسي تخضع خطواته لتوجيه ثابت من شأنه أن يضع قيودا علي عملية إنتاج الأفكار الجديدة والتي تعد الهدف الأول للتفكير خارج الصندوق الذي لا يعترف بالتحكم المباشر الذي يحكم آلية التفكير التقليدي الرأسي. إنه ضرورة بسبب حدود وقيود التفكير الرأسي, وللأسف, فإن النظام التعليمي مصمم لتلقين الطلاب أفكارا عرفها من قبلهم, ممن هم أفضل منهم; لأن وظيفة نظام التعليم تقلصت في إتاحة ونشر المعارف التي تبدو ذات فائدة لأكبر عدد ممكن, وبتقديم هذه الأفكار الجاهزة والمعلبات الفكرية أصبح المناخ غير مشجع علي توليد أية أفكار جديدة لدي المتلقين, وباختصار أصبح التعليم تلقين أفكار وليس إبداعا, ولم يهتم بتطوير عادات ومهارات التفكير, وأصبحت القدرة علي توليد البدائل الفكرية مسألة استعداد طبيعي لصاحبه, وقدرة تعيش برغم أنف النظام التعليمي المقصور علي التفكير الرأسي والتقليدي والتلقين, دون العمل علي استغلال هذا القدرة وتطويرها, أي إن التمسك بفكرة معينة والاكتفاء بها يمنع الفرد من السلوك بطرق تخالفها مما قد يحول بينه وبين التفكير بطرق أخري قد تحقق له نتائج أفضل. والتفكير خارج الصندوق شديد الالتصاق بالإبداع, ولكن في حين يكون الإبداع غالبا وصفا لنتيجة فقط, فإن هذا التفكير خارج الصندوق هو وصف لعملية فكرية مطولة. ويهتم التفكير خارج الصندوق بإبداع أفكار جديدة, ويعني أيضا بالهروب من سجن المفاهيم الخاصة والأفكار التي تجاوزها الزمن, ويطلب هذا بالطبع تغييرا في المواقف وفي طريقة فهم الموضوع, وهناك العديد من الأمثلة علي شخصيات بارزة كان لها السبق في تقدم البشرية, وغلب علي تفكيرها سمات التفكير خارج الصندوق مثل دارون الذي كان يتسم تفكيره بالديناميكية والمرونة, وقد قاده هذا الاستعداد للتفكير إلي التوصل إلي نظريته الخاصة بالنشوء والارتقاء, وامتلك نفس السمات أديسون مخترع المصباح الكهربائي, وأنشتاين ونظريته النسبية, من هنا يتضح أهمية التفكير خارج الصندوق, وأن هناك حاجة إلي استخدامه في إعداد طلاب جدد في واقع تفتقر جوانبه إلي مهارات توليد الأفكار, وتنمية فاعلية الذات, أضف إلي ذلك ضرورة التحرر من التفكير النمطي المقولب الذي لا يتماشي مع نوع العصر وحبذ عقول طلابنا علي المبادرة بالأفكار الجديدة. كذلك أهمية لفت انتباه طلابنا إلي قدراتهم وإمكاناتهم الذاتية وتأثيرها الكبير في تدعيم الثقة بالنفس وتحقيق النجاح الأكاديمي والاجتماعي لتنمية فاعلية الذات, بل وتدريب الطلاب علي المبادرة والإقبال والإتيان بأفكار جديدة أثناء عملية التعلم بعيدا عن نمطية الحلول التي يقدمونها عند سؤالهم عن حلول لبضع المشكلات الاجتماعية والفلسفية, بالإضافة إلي ميل الكثيرين إلي النقل والتقليد بدون تفكير من المراجع عند تكليفهم ببعض الأنشطة دون إبراز شخصياتهم في البحوث والأنشطة المكلفين بها, وعند سؤال الطلاب عن السبب في هذه السلوكيات, كان رد الكثير منهم أنهم لا يمتلكون القدرة علي إبراز ذواتهم في البحوث والأنشطة واعتقادهم بأن المعلومات الموجودة في المراجع لابد أن تكون صحيحة مطلقا, وأنهم مهما حاولوا في التفكير لحلول جديدة للمشكلات فلان يتوصلوا بأكثر مما توصل إليه السابقون. وقد كشفت الدراسات والبحوث الميدانية لطلاب الجامعات في الدول العربية عن تدني مهارات التفكير التوليدي لديهم, حيث بلغت نسبتها65%, كذلك ضعف في توقع فاعلية الذات التي بلغت نسبها60%, وعليه فإن التفكير خارج الصندوق والتدريب علي مهاراته هو الحل. أستاذ المناهج بكلية التربية جامعة عين شمس