الفوضي الشاملة التي قد تؤدي إلي تلاشي الدولة أو انقسامها إلي عدة كيانات سياسية هي أقل عنوان يمكن أن توصف به الأوضاع الجارية في اليمن, وما لم تسارع القوي العربية والإقليمية إلي التدخل السريع لإنقاذ البلاد من الصوملة أو البلقنة سيبقي مصيرها في مهب الريح, ما بين التقسيم أو حرب أهلية طاحنة بين الفرقاء المذهبيين لا يعلم أحد متي ولا كيف تنتهي. فرغم محاولات البعض تفادي حدوث مواجهة دامية بين المعسكرين المتصارعين علي السلطة التي آلت بالفعل للحوثيين خلال الأيام القليلة الماضية بعد استيلائهم علي القصر الرئاسي ومقر مجلس الوزراء, إلا أن الطرفين المتصارعين يدفع كل منهما بتعزيزاته العسكرية لإخلاء سبيل مسئولين محاصرين منذ عدة أيام في مقار إقامتهم. فقد أعلنت مصادر قبلية وأخري في وزارة الدفاع أمس عن وصول قافلة مكونة من عشرات العربات التي تنقل مسلحين قبليين في مسعي لإخلاء المسئولين المحاصرين من قبل ميليشيا الحوثيين. فيما وصل ممثلون لقبائل سنية من محافظتي مأرب والجوف قرب منزل وزير الدفاع محمود صبيحي المحاصر من الحوثيين, هدد أحدهم باستخدام القوة إذا لم يفرج الحوثيون عن الوزير, كما توجه مسلحون آخرون إلي منزل قائد الاستخبارات اللواء علي الأحمدي لفك الحصار الذي بدأ منذ الخميس الماضي. استقالة الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي قبل3 أيام لاستحالة بقاءه في الحكم بعدما بسط الحوثيون سيطرتهم علي مقاليد الأمور تعكس المأزق الذي يمر به هذا البلد الغارق في الفوضي, وتظاهر أكثر من10 آلاف يمني أمس في أكبر احتجاج علي أنصار الله في مسيرة بدأت من جامعة صنعاء صوب منزل هادي علي بعد نحو ثلاثة كيلومترات مع ترديد هتافات ضد جماعة الحوثي وتنظيم القاعدة مثل عاش الشعب اليمني عاش.. لا حوثي ولا عفاش في إشارة إلي اسم يطلق علي الرئيس السابق علي عبد الله صالح الذي ترك السلطة بعد انتفاضة عام2011 والمتهم بمساعدة الحوثيين في السيطرة علي صنعاء في سبتمبر الماضي وفقا لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تعني اتساع دائرة الصراع بين السلطة الشرعية ممثلة في الرئيس وأجهزة الدولة السيادية بما فيها الوزراء والمسئولين وبين الحوثيين لتشمل إلي جانب الطرف الأول الشارع اليمني بكل مكوناته القبلية السنية. ورغم الجهود الكبيرة التي بذلها الرئيس المستقيل هادي خلال محاولته قيادة البلاد نحو الاستقرار بعد أعوام من القلاقل والاضطرابات القبلية التي أدت علي مدي سنوات قليلة إلي تفاقم الفقر وزيادة هجمات الطائرات من دون طيار علي المتشددين من المنتمين لتنظيم القاعدة, إلا أن الحوثيين نجحوا في عرقلة هذه الجهود والعودة بالبلاد للمربع رقم واحد بعد استيلائهم علي العاصمة والقصر الرئاسي, حيث مازالوا يحتجزون هادي فعليا في مقر إقامته بعد اتهامه من جانبهم بانتهاك اتفاق لتقاسم السلطة وقعته الأحزاب السياسية الرئيسية في حضوره. اليمنيون أعلنوا خلال مظاهراتهم أمس رفضهم للانقلاب وسيطرة ميليشيات الحوثي علي العاصمة, وأغلق المحتجون الشوارع أمام حركة المرور أمام منزل هادي ورددوا هتافات تطالب برحيل الحوثيين بينما منعهم مقاتلو الحوثيين من الاقتراب من منزل هادي لكنهم حافظوا هم والشرطة علي مسافة منهم حتي انتهي الاحتجاج في صنعاء بشكل سلمي. في الوقت الذي اندلعت فيه احتجاجات مماثلة في محافظات أخري شملت تعز والحديدة والبيضاء وإب. أنصار الحوثيين من جانبهم كانوا قد تجمعوا في صنعاء منذ يومين رافعين لافتات عليها عبارة الموت لأمريكا الموت لإسرائيل وهو الشعار الذي أصبح علامة مميزة للحوثيين. هذه الأوضاع دفعت بالسلطات المحلية في بعض أجزاء البلاد- منها مأرب الغنية بالبترول والتي تطالب حركة انفصالية بها بالاستقلال عن البلاد- للإعلان عدم تلقي الأوامر من العاصمة مما أثار مخاوف من تفتت البلاد. وعلي الرغم من محاولات البرلمان اليمني خلال جلسته اليوم إيجاد حل دستوري للخروج من الأزمة التي ترتبت علي استقالة هادي بنقل السلطة إلي رئيس البرلمان يحيي الراعي الذي ينتمي إلي حزب المؤتمر الشعبي العام برئاسة صالح لفترة انتقالية لحين الترتيب لانتخابات جديدة, إلا أن الاشتباكات العنيفة التي اندلعت أمس بين مسلحين قبليين وحوثيين في منطقة دار النجد في قيفة رداع وسط اليمن باستخدام الأسلحة الثقيلة وسقوط عدد كبيرمن الضحايا خلافا للخسائر الفادحة في منازل القرية تعد إرهاصا لما قد تشهده البلاد خلال الأسابيع القليلة المقبلة.مسئولون أمريكيون اعترفوا بانهم غير واثقين إلام ستؤول إليه الأوضاع في حملة مكافحة الإرهاب بعد استقالة هادي الحليف الرئيسي لواشنطن في مكافحة إرهاب القاعدة في حال حصول مواجهات مع الحوثيين. ومع تدهور الوضع في اليمن, لم يستبعد مسئول أمريكي إمكانية حصول نزاع بين السنة والشيعة الأمر الذي قد يزيد من نفوذ وقدرة تنظيم القاعدة علي العودة الي البروز في البلاد من جديد.