وكأن الإسلام الذي يتعرض لحملة ظالمة منذ هجمات11 سبتمبر كان يحتاج إلي ارتكاب حماقة جديدة تعطي أعداءه سلاحا للنيل من دين السماحة والاعتدال; فقد جاءت مجزرة شارلي إبدو الفرنسية التي ارتكبها متشددون إسلاميون وأوقعت12 قتيلا لتعطي دفعة جديدة لحملات الكراهية وتشويه الإسلام حول العالم, علي غرار ظاهرة الإسلاموفوبيا التي لم نتخلص من شرورها بعد وبلغت ذروتها في أعقاب تدمير برجي البنتاجون والتجارة العالمية رمزي القوة للولايات المتحدة. وواقع الحال أن منفذي المجزرة البشعة ضد الصحيفة الفرنسية التي أساءت للرسول الكريم ظنوا بفعلتهم أنهم يدافعون عن الإسلام الحنيف, مع أنهم أساءوا إليه أكثر من أصحاب الرسوم المسيئة وجعلوا المسلمين في بلدان أوروبا بل العالم أجمع عرضة لنيران الانتقام والكراهية والتمييز وخصوصا في ظل الحمي وصالسعار للميديا العالمية لتلبيس الإسلام والمسلمين كل شرور العالم رغم أن من يتأمل خريطة الضحايا والقتلي من الشرق والغرب سيجد أكثرهم مسلمين, انظر حولك في فلسطينوالعراقوسوريا وليبيا واليمن وكشمير وأفغانستان, هؤلاء القتلي والجرحي والمشردون ضحايا صراعات أشعلتها الدول الغربية لتحقيق مصالحها, وتستخدم فيها أسلحة صنعت في بلادها, بل يا للمفارقة بعضها تقوم الولاياتالمتحدة بإلقائه علي خصومها داعش من أجل حاجة في نفس يعقوب وهو المشهد الذي تكرر غير مرة في العراق. والمؤسف أن الدول الغربية التي لا تخلو علاقاتها من توترات وصراعات مكتومة, تلتقي دائما وأبدا علي العداء للإسلام والمسلمين, فما يحدث من إجرام إسرائيلي ضد الفلسطينيين, ضحاياه مسلمون وتورط أجهزة المخابرات الأجنبية في الحرب الأهلية السورية, أغلبية ضحاياه مسلمون, وتجنيد المرتزقة للقتال في صفوف داعش يستهدف مسلمين, وكأننا أمام حرب خفية علي الإسلام. فما أن ذاع خبر مجزرة شارلي إبدو حتي تسابقت عواصم العالم للتضامن مع فرنسا, وتواصلت حملات الإدانة من الشرق والغرب, وقررت أوروبا عقد قمتين لمواجهة الإرهاب مع أن أضعاف أضعاف ضحايا الحادث يقتلون يوميا في سوريا وليبيا بسبب تآمر دول الغرب وتواطئها في مخطط تقسيم المنطقة وإعادة رسمها علي المقاس الإسرائيلي. لقد قدمت ثورات الربيع العربي فرصة ذهبية لأجهزة الاستخبارات العالمية للعبث في المنطقة, تارة بتجنيد مرتزقة, وأخري بتقديم التمويل, وثالثة بترويج الشائعات والفتن والنتيجة ظهور داعش بما يمثله من فكر متشدد يخاصم صحيح الدين ويعادي الحضارة ويتم استخدامه للتخديم علي مخطط شيطنة الإسلام والمسلمين. لكن فات كل من تورط في إذكاء الصراعات الأهلية في المنطقة وسهل تجنيد المرتزقة, أن الإرهاب لا دين له ولا وطن له وأنه يضرب بشكل عشوائي وأن الجريمة التي شهدتها باريس ليست إلا بداية لما يسمي ظاهرة الإرهاب العائد من الشرق الأوسط, حيث انخرط آلاف الأوروبيين في القتال في صفوف داعش وسوف يأتي اليوم الذي يعودون إلي بلادهم ليعيثوا فيها القتل والإرهاب, وهو الأمر الذي كان يتعين علي قادة أمريكا وأوروبا إدراكه بدلا من التورط في جريمة تفكيك الجيوش العربية بدءا من الجيش العراقي ومرورا بالليبي وليس انتهاء بالسوري, فوجود الجيوش القوية يخدم أمن دولها بقدر دول الجوار التي لن تكون بمأمن من الحريق المشتعل حاليا في الشرق الأوسط. إن المأزق الذي يعيشه العالم أكبر من اختصاره في كلمة الإرهاب الغامضة, لكنه حصاد سياسات دولية خاطئة ونظام دولي فشل في تحقيق العدالة; ينتصر للأقوياء ويذل الضعفاء, ويستهين بالمقدسات ومن ثم فمادامت المظالم و ظلت سياسات الكيل بمكيالين فقل علي استقرار العالم السلام. ثم أليست داعش التي تبنت مجزرة المجلة الفرنسية صنيعة للسياسات الأمريكية في المنطقة منذ تدمير العراق بذريعة أكذوبة أسلحة الدمار التي لا وجود لها سوي في تل أبيب, والتآمر علي سوريا وجيشها وبعد ذلك فلا بأس من دمغ الإسلام وأتباعه بكل الشرور, وشن حملة جديدة من حملات الكراهية ضد أتباعه, وهو الأمر الذي لن يجعل العالم ينعم بالأمن أوالاستقرار. [email protected]