تتناهي إلي مسامعي دقات الدف و أصوات المنشدين, أتقلب في فراشي محاولا النوم مرة أخري دون جدوي, توجهت صوب النافذة لأستوضح الصوت, ترددت لحظة قبل خروجي من المنزل, قالت زوجتي في ضحكة مستنكرة:- لا تقلق... هو فقط مولد علي السلخ.. قد أصبح بين عشية و ضحاها وليا وله مريدون, وكأن المقامات والأضرحة أصبحت الآن للبلطجية واللصوص, حاولت إسكاتها فللجدران آذان حادة السمع. روايات كثيرة كنت أسمعها عن مغامراته مع بعض قاطني العشش خارج البلدة, حيث ينقضون علي حظائر الماشية ينهبونها, و كذا سرقة الأموال والمصاغ من منازل أثرياء القرية, كما ملأت أسماعنا حكايا مراودته للنساء و معاكساتهن, غاب لفترة طويلة عن القرية, بحث عنه والده وزوجته وإخوته, إلي أن عثرت الشرطة علي جثة مشوهة علي أطراف الحقول المتاخمة, استلم والده الجثة و قام بدفنها إعلانا منه للتوقف عن البحث, وارتضاء بمصير ولده. في ذكري الأربعين يأتي أحد أصدقائه مدعيا أنه زاره بالمنام; يأمره بتبليغ ذويه بإقامة مقام له علي مشارف القرية,وأن يصبح هو خادما للمقام. أهل الولي يقيمون له مولد سبع ليال, يحج إليه سكان القري المجاورة محملين بالنذور والهدايا, يسلمونها لخادم المقام أملا منهم في استرجاع الغائب, والمسروق, وزواج العانس, وجلبا للرزق, كما تقصده النساء لاسترداد الزوج الكاره وطلبا للإنجاب. أجوب حواري القرية الثعبانية الخالية متتبعا الصوت, حيث تشتعل حلقة الذكر بالترنح و الغياب,لاحظت تسلل بعض الأشخاص فتبعتهم, دخلوا بعض العشش المهجورة وخرجوا مرتدين ملابس بيضاء و أقنعة و بيدهم بعض الماشية, وتوجهوا بها لبيت الحاج عوضين الذي سرقت مواشيه من مدة; أعادوها له وهم يطالبونه بالوفاء بما نذره لسيدنا الولي. تبعتهم في صمت, وعن بعد حتي وجدتهم يدخلون ساحة بيتي, يلقون لفافة و يهرولون, مددت قدمي فتعثر فيها أحدهم; وهرب الباقون, أمسكت به, يحاول الفرار, بين شد وجذب ومحاولاته للهروب سقط القناع عن وجهه...؟! لم يكن سوي( علي السلخ) سيدنا الولي, صاحب المقام والكرامات, فوجدتني أفلته علي صياح زوجتي وهي تلوح بما رموه في ساحة بيتي من مال علي سبيل الهبة:- مدد يا صاحب المقام مدد.