لا يخلو مجلس من الشكوي بسب انهيار الأخلاق واضطراب الموازين, فالجار يشكو جاره, والأمانة ضاعت بين الناس, والمراوغة راجت سوقها, والتعلق بمتاع الدنيا فاق كل القيم عند كثير من البشر إلا ما رحم ربي, وهو دلالة واضحة علي فساد التصور وضعف الإيمان, ومن ثم وجب علي العلماء والدعاة والمسئولين أن ينتبهوا ويبينوا للناس حقيقة الإيمان الصادق. حول معني العقيدة ومفهومها وأثرها في حياة الفرد والمجتمع يقول الدكتور عادل المراغي إمام مسجد النور بالعباسية أن علماء قسموا الدين إلي ثلاثة أقسام عقيدة, وشريعة, وأخلاق فالعيدة محلها القلب, والشريعة مدارها علي التكليف, والأخلاق مدارها علي ما حسن وخبث, فالعقيدة معناها التصديق, وهي المعنية في قومه صلي الله عليه وسلم الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته ورسله واليوم الآخر. فليس هناك إيمان بدون اعتقاد والاعتقاد هو التصديق من عقد الأمر أي أبرمه, ومعني ذلك أن الاعتقاد هو أحكام الأمر وإبرامه, فلا يتحول إلي غيره ومن أعتقد شيئا تفاني من أجله وقد يكون الاعتقاد حقا, وقد يكون باطلا. فالأفكار المتطرفة, وعقيدة الكفار داخله ضمن العقائد الباطلة, وفي سبيل اعتقاد الإنسان يسهل كل صعب وتتحقق كل أمنية, فالشهيد الذي قتل في سبيل الله, وضحي بروحه عنده اعتقاد وجازم بأن حياته تبدأ من الخطر استشهاده, وقد يقاتل الإنسان عن عقيدة صحيحة, وقد يكون الاعتقاد عن عقيدة باطلة. فأصحاب النبي صلي الله عليه وسلم عندما تربوا علي العقيدة وجدنا كيف مملوا أرواحهم علي أكفهم واستعدوا للعدو, وهانت عليهم الحياة, فالعقيدة تقرب وتيسر العسير وتليق الحديد, وقد ظهر ذلك جليا في حرب العاشر من رمضان لما ارتفعت عقيدة جنودنا البواسل, حيث يقول الشيخ الغزالي كنت أنصح بعض الجنود بالإفطار في رمضان فوق العنت والمشقة لأنه يدافع عن تراب الوطن, ويضيف الشيخ الغزالي كنت أشم من كلامهم رائحة النصر, وكان أحدهم يقول لي لن أفطر إلا مع رسول الله في الجنة, ولذلك انتصر الجيش المصري في حرب أكتوبر لما قاتل عن عقيدة ثابتة. ويطالب المراغي بالبدء في صياغة العقيدة الصحيحة التي تتفق مع صحيح الدين إذا أردنا أن ننقذ سفينة الوطن لأن العقيدة إذا صحت صحت العبادة, ومن ثم حسنت الأخلاق. يقول الشيخ أحمد صبري إمام مسجد الحصري بمدينة السادس من أكتوبر أن العقيدة هي الطاقة الكبري التي تحافظ علي بناء الإنسان من الإنهيار, لأنها تحتفظ في جوهرها بقوة ساوية تخضع الدنيا كلها, فبالعقيدة يكون الفقير معه ما ويتعفف, ويكون الغني موسرا أو يتصدق, فالعقيدة في الإسلام إن لم تتحول إلي سلوك النفس الفرد فهي عقيدة لا تنبض بالحياة رغم أنها طاقة, ولكنها كامنة لم يمتد تيارها إلي سلوك الإنسان لتحدث فيه الضوء والحرارة والنور, ولقد شرع الله تعالي دروبا من العبادات هي أركان العقيدة لتنعكس آثارها علي الفرد وعلي المجتمع, وهي ليست غاية في ذاتها, ولكنها وصيلة لطهارة النفس وسلامة القلب وإشراقة الروح لينعم بذلك المجتمع كله فيفهم رسالته في الحياة, ومكانته في الوجوه, ومر هذه الأركان الصلاة, فالإنصراف إليها وجمع النية عليها يشعر المسلم بأنه قد حطم الحدود الأرضية المحيطة بنفسه من الزمان, والمكان وخرج منها إلي روحانية لا يجد فيها حيث يمتزج الجسم بجلال الكون ووقاره مع باقي الكائنات يسبح بحمده, فيحمل في قلبه معني الإطمئنان والاستقرار, وبالركوع والسجود لله يشعر بمعني السمو والرفعة, وذلك في خمس صلوات يفرغ فيها ما بداخله من هموم لقوله صلي الله عليه وسلم جعلت قرة عيني في الصلاة وهكذا باقي أركان الإسلام هي أركان للعقيدة فالصوم تربية للنفس وتهذيب للقلب وتخفق من ملذات الطعام والشراب, وليس حرمان المعدة من الطعام وإنما لتطهيرها وإصلاح الجسد, كما أنه يكون في المؤمن عاطفة الرحمة ويدفع إلي العطف علي الفقراء بما يمنع عنهم غائلة الجوع, وبذلك يتعاون علي سد باب الفقر في بناء المجتمع, وكذلك الزكاة علاج ناجح لإنقاذ المجتمع من الفساد الاقتصادي, وقد فرضت علي القادرين لتطهيرهم من الطمع وإغناء الفقراء, وباغتنائهم تغلق أبواب الفتنة في المجتمع فلا تسفك دماء, ولا تنهب الأموال, ولا تقطع الطرق لأن راية المودة والحب ترفرف فوق هذا المجتمع فيشعر أفراده بالطمأنينة والاستقرار عندئذ تكون آثار العقيدة ونورها. ويقول الشيخ صبري إن العقيدة تدافع المسلم إلي العمل بكل ما يملك من طاقة, كما أنها تربي في المسلم الضمير تربية متكاملة لأن الرقيب علي العمل لقوله تعالي قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين فالمسلم بعمله يعبد الله كأنه يراه, وطالما يتحرك في ضوء هذا الضمير فإن أعماله لا يتسرب إليها الخلل, وإذا كان هذا أثر العقيدة في الضمير فإن أثرها في بناء الأخلاق أعظم فقد ربط الإسلام بين الإيمان والسلوك في آيات وأحاديث كثيرة. ويتساءل صبري إذا كان هذا أثر العقيدة في توجيه السلوك فلماذا لا نري ذلك الأثر في واقع المسلمين؟؟ بل نجد الفرق شاسعا بين ما يدعون من عقيدة, وبين ما يسلكون ويتصرفون في المعاملات؟! والحقيقة أن الدعوة شيء والإيمان شيء آخر, فالإيمان حقيقة وكل حقيقة لها علامة, وعلامة الإيمان العمل به ومعيار صدق الإيمان هو العمل الصالح والإيمان ما وقر في القلب, وصدقه العمل والاعتقاد الصحيح يدفع إلي السلوك الطيب. وبالتالي فإن انهيار الأخلاق مرده إلي ضعف الإيمان والرسول يصف حال الرجل البعيد عن الإيمان بأنه بعيد عن الحياء بقوله والله لا يؤمن والله لا يؤمن والله لا يؤمن قيل من يا رسول الله؟ قال: الذي لا يأمن جاره بوائقه, ويقول: صلي الله عليه وسلم تقريرا لهذه المبادئ الواضحة في صلة الإيمان بالخلق القويم: ثلاث من كن فيه فهو منافق وإن صام وصلي الله وحج واعتمر وقال أني مسلم إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا أؤتمن خان.