الحلقة الجهنمية التي تدور فيها القضية الفلسطينية مازالت في مكانها, وهي مرشحة للبقاء علي حالها لفترة أطول. جولات المفاوضات المتعددة تبدأ وتنتهي دون تقدم. جربت إدارة الرئيس بوش صيغة أنابوليس التي قامت علي إطلاق مفاوضات دورية مباشرة بين المستوي السياسي الأعلي في فلسطين وإسرائيل, بمساندة من شركاء أنابوليس الذين مثلوا كل ألوان الطيف الدولي الواسع, فلم تنجح. جربت إدارة أوباما مفاوضات التقريب فلم تتحسن الصورة. حاولت إطلاق مفاوضات مباشرة لكنها تعثرت علي عقبة الاستيطان الإسرائيلي. العنصر الإيجابي الوحيد في الصورة هو أن الولاياتالمتحدة لم تستسلم للفشل, وها هي تطرح صيغة جديدة تطلق عليها المفاوضات المتوازية. اعترف الأمريكيون بفشل محاولتهم ربط التقدم في المفاوضات بتجميد الاستيطان, لكنهم مازالوا يعتقدون في قدرتهم علي تحقيق تقدم في قضايا الوضع النهائي الجوهرية. لا يوجد أي ضمانة لنجاح جهود الأمريكيين هذه المرة, لكن الأمر يستحق عناء المحاولة. لا أحد من الفلسطينيين يتوقع خيرا من حكومة نتنياهو, لكنهم علي الأرجح سيمنحون الولاياتالمتحدة فرصة أخري. ليس من مصلحة الفلسطينيين دخول قضيتهم في مرحلة الجمود وتوقف المحاولات, فاللا حرب واللا سلم ليس بديلا فلسطينيا. بالنسبة للفلسطينيين الذين مازالوا يبحثون عن دولة لهم يمثل الجمود وتوقف الكلام حول القضية تهديدا حقيقيا لمصالحهم وأهدافهم الوطنية. الكلام عن الدبلوماسية ليس له أنصار كثيرون بين شعوب العرب الذين ملوا هذا المسلسل القديم. لكن الدبلوماسية هي أداة الفلسطينيين الأهم في السعي وراء حقوقهم. أخفقت الدبلوماسية في إنهاء الاحتلال لكنها خلقت واقعا جديدا تمثل في اعتراف عدد إضافي من الدول بالدولة الفلسطينية. فعلتها البرازيل والأرجنتين, وستفعلها دول أخري قريبا, وهذا مكسب مهم للفلسطينيين. الاتحاد الأوربي لا يعتبر الوقت الراهن مناسبا للاعتراف بدولة فلسطين, لكنه يعد بالقيام بذلك في الوقت المناسب. رغم حرص الولاياتالمتحدة علي علاقاتها بإسرائيل ودعمها لها, فإن ملامح الضيق الأمريكي بالسياسة الإسرائيلية بدأت في الظهور. تواتر الانتقادات الأمريكية العلنية لإسرائيل هو تطور جديد, وكذلك التوترات التي تحدث خلف الأبواب المغلقة في لقاءات المسئولين الإسرائيليين والأمريكيين. أمريكا الراهنة مترددة وخجولة في توجيه الانتقادات لإسرائيل, لكنها صريحة في التعبير عن التأييد والتعاطف مع السلطة الفلسطينية وقضية الشعب الفلسطيني. المكاسب مازالت علي مستوي الألفاظ والخطاب, ولكن هذه هي طبيعة الدبلوماسية, بطيئة ومتدرجة, لكنها تصل في النهاية إلي الهدف.