جاءت بدعة رفع المصاحف لتضيف لدعوة التظاهر في28 نوفمبر نكهة مريبة, ومغرضة, وتفتقر لنبل الدين الحنيف, فضلا عن خلوها الفاضح من مشاعر المواطنة الحقيقية, في وقت يحتاج فيه الوطن إلي يد تساعده بدلا من أ ن تمتد إليه بالغدر والتنكيل. ربما نتفهم أن يكون البعض غير راض أو حتي ناقم علي ما تفعله دوائر الحكم, وهذا لا تثريب عليه, في العرف الديموقراطي, فليس هناك حكم بلا معارضة... ولكن أن يصل عدم الرضا لمرحلة الغضب والكراهية للوطن... هنا مكمن الخطر.. علي كل من المجتمع والوطن والدين... ويجب أن تكون هناك وقفة. ولأننا في العصر الحديث لا يجب أن تتملكنا في شأن العمل بالسياسة- عاطفة الحب أو الكره, لأن النظام السياسي هو نمط لإدارة المجتمع, قد نقبله ونميل إليه, وقد نرفضه ونعمل علي معارضته.. بينما الحب أو الكره, مجرد عاطفة تعوزها العقلانية في الكثير من الأحيان, وما هكذا تدار الأوطان... أما العمل بالسياسة, فهو يقتضي القبول بمفرداتها.. إذا أردنا أن نكون بحق دولة ديمقراطية مستقرة وغنية..حيث تكون أبجديات التنافس علي السلطة مقترنة بوسائل منضبطة, تحترم سيادة الوطن, يقرها القانون, ويحترمها الكافة, تكفل التنافس الشريف, وتحفظ تماسك المجتمع, وتحول دون انهيار الدولة, بل تسعي لتقويتها ودعم استقرارها.. وأهم آليات التنافس الديموقراطي هي الخطاب المنضبط والسلمي للشارع, وبرنامج سياسي معين, والصندوق لترجيح من يتقدم الصفوف, ثم تولي من يفوز مقاليد الأمر, لا ليتسلط, ولكن ليحقق صالح الجماعة الوطنية بنسيجها المتنوع, وليس جماعة بعينها دون غيرها.. ولكن هؤلاء الداعين لرفع المصاحف أهدروا كل هذه الاعتبارات... لأنهم أرادوها فتنة بلا اعتبار لوطن, أو توقير لحرمة أنفس... قد تراق دماؤها... في وقت تتبلور آمال المصريين في إكمال خارطة المستقبل بعقد انتخابات برلمانية نزيهة.. تؤذن ببدء عهد من الاستقرار... إن بدعة إقحام المصحف الشريف في مسار التناحر المشبوب علي السلطة, ليس فقط عصفا خطيرا بمصلحة الوطن, ولكنه أيضا إشعال نار الفتنة العقدية, التي لا تبقي ولا تذر... ولنتذكر رفع المصاحف في الصراع علي السلطة بين سيدنا علي وسيدنا معاوية. ولأننا يجب أن نستفيد من التاريخ.. وهذا ما يفرق الإنسان العاقل عمن سواه... فيجب أن نربأ بمجتمعنا عن الوقوع في نفس الفتنة, التي قسمت ظهر المجتمع المسلم حينئذ... و كانت مقدمة لانهيارات لم تتوقف في نسيجه الناهض وقتها..حتي استحال الحكم من خلافة راشدة إلي ملك عضود لبني أمية... ومنذ ذلك العهد, والمسلمون في كرب لا تخلو أيامهم من فتن وحروب, منشئه التشيع والفرقة, التي أوجدتها فتنة المصاحف..التي تريد شياطين الإنس اليوم لنا أن نقع فيها... ولو أنصفوا لقدموا لنا خوارزميا جديدا أو فارابيا أو حسنا بصريا أو ابن سينا أو ابن رشد... فنحن نحتاج لعالم تنويري ينفع البشر, وليس لانتحاري أو صانع قنابل مولوتوف أو موقد لفتنة ومشعل لنار.. إن جوهر الإسلام ليس الحرب, ولكن العطاء الرحيم والمثمر لكل الإنسانية... ونحن نعيش بمصر, التي يحكمها ويسكنها مسلمون, في مجتمع يسوده الإسلام, وتزينه المسيحية, وليس هناك مسوغ للزج بالمصاحف في سياق طلب السلطة, إلا أن يكون هناك من يتربص شرا بهذا البلد... اللهم احم مصر من السابحين في الفتنة ومن يقف وراءهم..