عرف فن السينما طوال تاريخه العديد من أساليب البناء الدرامي, غير أن بنية الدراما التقليدية هي الشكل الأكثر استخداما في سرد أي قصة علي الشاشة الكبيرة, وهي بينة تتألف من تمهيد يتخلله تعريف بالشخصيات ثم حدث ما وتطور لهذا الحدث تليه عقدة الدراما أو الذروة ثم النهاية. غير أن البناء الدرامي في السينما تطور منذ نشأتها وظهر من آن إلي آخر من يقوم بتحطيم مفردة من تلك المفردات الممهة في بينة السرد أو حتي يغير من الطريقة المتعارف عليها في وضعها في السيناريو. التطور في السرد الدرامي شيء مستمر طالما هناك صناعة للسينما وهو لايعني بالطبع إلغاء قديمه إنما فتح مجالات جديدة للابداع. و الواقع أن قياس مدي تقدم فن السينما في بلد عن بلد آخر بقياس مدي التغيير في تفاصيل هذا الفن ومدي استيعاب القائمين علي الصناعة والنقد بتلك النقلات النوعية في الصنعة. بعض من الأفلام التي عرضت في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي كانت تتسم بتلك الصفات الأساسية في تطور البناء الدرامي في السيناريو ومنها فيلم المخرج الانجليزي مايك ليMikeLeigh سنة أخريAnotheryear, والذي كان عرض في مهرجان كان عام.2010 الفيلم يبين منذ اللحظة الأولي أننا أمام واحد من المخرجين وكتاب السيناريو الذين يسردون قصتهم ويرغبون في ذات الوقت التلاعب بالمشاهد. فالفيلم يبدأ بسيدة يبدو من ملامحها أنها تعاني من ضائقة ما, تجلس أمام طبيبة, تسألها الطبيبة تفاصيل عن حياتها غير أن السيدة لا يوجد لديها رغبة في الحديث علي الإطلاق هي تريد فقط أن تمنحها الطبيبة ورقة تصرف بها من الصيدلية منوم لأنها لاتنام. الحوار لاينتهي إلي شيء سوي أن الطبيبة تقنع السيدة بأنها تحتاج إلي معاونة المستشارة النفسية للعيادة. هذه البداية لا ترجح شيء علي الإطلاق سوي أن المشاهد يتصور أن الفيلم إما عن السيدة المريضة أو عن الطبيبة. السيناريو علي عكس ذلك لا يلتفت إلي تلك السيدة علي الإطلاق إلا في مشهد آخر عندما تقابل المستشارة النفسية جيري( روث شين-RuthSheen) وهي واحدة من أبطال الفيلم. هذه الطريقة غير التقليدية في بناء التمهيد ترجح اننا لسنا أمام فيلم بناؤه عادي علي الإطلاق وهذه الطريقة تنتقل عند التعريف بالزوج توم أيضا وعلي الإبن جو والذي يعمل محاميا يدافع عن القضايا الخاصة باللاجئين داخل انجلترا. العائلة مكونة من أب توم وأم جيري دون ان يكون هناك أي دور أو ملمح في السيناريو له علاقة بسلسلة الكرتون الشهيرة. سيناريو الفيلم مقسم إلي4 مقاطع, كل يبدأ بإسم فصل من الفصول وأولها الربيع وهو بناء القصة والتعريف بالشخصيات. الأب توم يعمل مهندس جولوجي في مواقع البناء يحلل التربة. نراه وهو يقوم بزراعة أرضه الخاصة بالخضروات لتصبح عملية الطبخ التي تقوم بها جيري وأحيانا توم عملية غاية في الصحية والطعم المميز للأكل الطازج. الصيف هو تجمع الأصدقاء للعب الجولف وأيضا في حفل شواء وتظل حالة التوتر تصاحب عدد من هؤلاء الأصدقاء بعضهم بسبب الوحدة الشديدة التي يعاني منها كل من كين( بيتر وايتPeterwight) وماري( ليزلي مانفيل-LesleyManville) حقيقي أن الربيع مهد لمعاناة ماري من قبل غير أن الصيف كان عنصرا مهما في التأكيد علي حالة الوحدة لكل من ليزلي وكين. صناعة الدراما في هذا الفيلم تبدو بعيدة تماما عما هو متداول أو معروف في السينما المصرية, حتي الخط الدرامي الوحيد الذي يطوره مايك لي في الفيلم هو رغبة ماري في عمل علاقة حتي وإن كانت مع جو إبن صديقتها وهو مايدفعها في نهاية حفل الشواء إلي أن تطلب من جو ان يحادثها تليفونيا ويتقابلا لاحتساء أحد المشروبات. وفي الخريف تكتشف ماري أن جو اصبح لديه حبيبة وأنهما ينويان الزواج فتصبح ماري في حالة غضب شديد وتسعي لأن تقنع جيري بأن ترفض. إلا أن السيناريو لايتوقف عند تلك التفصيلة ولا يمشي وراءها إنما يستمر في الحوار البسيط وينتقل إلي الشتاء دون أن يعلمنا لما ساءت العلاقة بين ماري وجيري إلي هذا الحد. الشتاء بطبيعته في انجلترا يحمل بداخله نوعا من الكأبة والقتامة ولإن الشتاء هو نهاية دورة الحياة الطبيعية علي أساس أن الربيع هو بدايتها فإن أحداث الشتاء ترتكز حول حالة وفاة زوجة شقيق توم. وتستعيد علاقة ماري بجيري مرة أخري علي الرغم م ماحدث بينهما. لينهي لي فيلمه علي وجه ماري وهي في حالة ذهول. الواقع أن هذا الفيلم عن كل الأشياء العادية في الحياة. إنه عن أشخاص يعملون في مهن عادية بعضهم يعاني من الوحدة وبعضهم لايعاني منها. لاتوجد خصوصية للقصة ولايوجد خط درامي واضح ولا توجد خصوصية إنجليزية تجعل المشاهد يتعرف من خلالها علي ثقافة لايعرفها إنما تلك التفاصيل التي يغرقنا بها السيناريو من الممكن ان تحدث في عدد كبير من المجتمعات. إن الفيلم عن هذه العائلة الثابتة التي هي المحور الأساسي للأحداث وماحولها هو المتغير إنها مثل الزمن لا يتغير بينما الذي يتغير من حولها هو الفصول تبتهج أحيانا وتشرق أحيانا وتغييم في أخري. هذه هي دورة الحياة لكل أصدقاء توم وجيري. المتعة الحقيقة في هذا الفيلم هو الحوار الذي يبدو حوارا بسيطا وواقعيا إلي أبعد درجة لكنه في ذات الوقت حوار يعطي مفاتيح عن كل الشخصيات داخل الفيلم. من المؤكد أن تلك النوعيات من الأفلام التي أحدثت بعضا من التغيير في بنية السرد والدراما ليست الوحيدة في العالم بل أن كل عام في المسابقات الرسمية للمهرجانات الكبري يتباري صناع السينما في العالم وتتباري معهم إدارات المهرجانات بتقديم ماهو مختلف ومتميز ومتطور من أجل التقدم بالفن السابع. و الغريب ما حدث في مصر الشهر الماضي أن الإقبال علي الأفلام العالمية كان غير عادي لمجرد أن هناك معلومات تم تداولها عبر الشبكات الصغيرة لمحبي السينما تلك المعلومات التي تذكر أن هذا الفيلم أو ذاك عرض ضمن المسابقة الرسمية لمهرجان ما. لاحظنا هذا في بانوراما السينما الأوروبية ومهرجان القاهرة السينمائي الدولي. وكان الافتتاح سنة أخريAnotheryear واحدا من تلك الأفلام التي عرضت ثلاث مرات في المهرجان ككل وفي المرة الأخيرة يوم9 ديسمبر وهو ختام المهرجان كان العرض كامل العدد قبل بدء الفيلم بأكثر من نصف ساعة. وقتها شعر طابور طويل لايقل عن20 شخصا من المشاهدين بخيبة أمل شديدة عندما ذكر أنه لايوجد مقعد واحد متاح في الصالة. تأكدت ساعتها بأن الازدحام علي الأفلام المتميزة فنيا في بانوراما السينما الأوروبية قبل مايقرب من شهر لم يكن فقط بسبب الدعاية التي قامت بها مريان خوري بل إن هناك فعلا جمهور جائع للسينما العالمية يحتاج لمن يرشده. وعلي مهرجان القاهرة السينمائي أن يستغل تلك الرغبة المحمومة لدي هؤلاء المتعطشين ويفعل قسم مهرجان المهرجانات ليصبح مملوءا بأفلام المهرجانات العالمية وليس مجرد أفلام أجنبية وكفي و يجب أن يعقب عرضها نقاش مع أحد النقاد المهمين.