نتجاهل الأزمة الجنسية الحادة التي نعيشها, فهي جزء من المسكوت عنه, إما لخجلنا أو جهلنا أو ضعفنا, لكن الأزمة تصر علي التعبير عن نفسها, وتوجه لنا الصفعات بين الحين والآخر, بحوادث تحرش, ونسب مشاهدة هي الأعلي في العالم للمواقع والأفلام الجنسية, وإقبال منقطع النظير علي أفلام المنظر التافهة, لمجرد وجود مشهد ساخن أو رقصة خليعة وعلاقات غير سوية علي شبكات التواصل, لإقامة علاقات افتراضية, تخفف من وطأة غياب العلاقات الواقعية. وقائع كثيرة, وحوادث مفزعة, تهزنا في حياتنا اليومية, كي نفيق من غفلتنا من أزمة, لا تقل خطورة عن الفقر والبطالة. تتراوح فترة الكبت الجنسي لدي الشباب ما بين15 و20 عاما, تشكل معظم فترة توهجهم الجنسي, فتتزوج الفتاة قرب الثلاثين عاما, والشباب قرب الأربعين عاما, وعندما يتزوجون يكونون محملين بإرث فترة الكبت الطويلة, فتدمغ علاقتهما بالفتور والقصور, لتلقي ظلالا قاتمة علي حياتهما الزوجية. المشكلة الأكبر هي أننا لا ندرك, أو ربما نتجاهل السبل الملتوية التي نتعامل بها مع المشكلة الخطيرة, ففي الطبقات الوسطي يتم فرض رقابة صارمة علي الفتاة, وعادة ما يتم إقناعها, طواعية أو قسرا بارتداء الحجاب أو النقاب, وزيادة جرعة التدين, وإقامة الحوائط المانعة للاختلاط بين الجنسين, من مقاعد الدراسة الي عربات المترو الي الكثير من الأماكن العامة والخاصة, الي جانب الاستمرار في اجراء جراحات ختان الإناث, للقضاء أو الحد من استثارتهن الجنسية, أي بقتل رغباتهن الطبيعية. وبرغم كل حملات التوعية بخطورته وتداعياته, الا أنه مستمر في معظم الطبقات, لأنه سيشكل حماية من الانحراف المتربص بالبنت, وكلما زادت فترة الكبت وتفاقمت حدته, زدنا من جرعة التدين بكل أشكاله, ولا يتم التطرق الي الكلام في الجنس الا بوصفه رذيلة وشرا مستطيرا, وإلحاحه علي أذهان الشباب( وهو شيء طبيعي جدا) نعتبره وسوسة من الشيطان, فنزيد من الاستغفار, وربما لجأنا الي درجات من أعمال الشعوذة لإبعاد الشياطين الموسوسة بالرذيلة. هنا يكون الخطاب الديني هو الدرع الواقي لنا من السقوط في الخطيئة, وندفع أبناءنا إلي حضور الدروس الدينية في المساجد, أو اكثار مشاهدة القنوات الدينية, لنطمئن من أنهم سينجون من طريق الانحلال, ويسيرون علي الطريق القويم. علي الجانب الآخر فإن الجماعات المتطرفة قد تمكنت من حل الأزمة الجنسية, فهي تجتذب الشباب من الجنسين, وتزوجهم عرفيا( بدون مأذون أو عقد زواج مسجل) وتطلقهم عرفيا أيضا, وتجري طقوس الزواج في مراسم بسيطة غير مكلفة, ويسكن الزوجان في أي مكان متاح, واذا ما تفاقمت بينهما الخلافات, يجري الطلاق بنفس السلاسة, والسعي لتزويج كل منهما بآخرين. إن معظم أعضاء الجماعات المتطرفة يتمتعون بحرية جنسية أوسع بكثير من معظم طبقات مجتمعنا المتزمت, ولهذا فهم قادرون علي اجتذاب الشباب, بحل مشكلة الجنس في الدنيا والآخرة, وهذه أحد أهم مظاهر القوة في هذه الجماعات. وهكذا نجد أننا سقطنا بين الخطاب الديني المتزمت, والآخر المتطرف, لكي ننجو بأبنائنا, خاصة الفتيات من السقوط في علاقة جنسية غير شرعية. لا تتوقف خطورة الأزمة الجنسية عند هذا الحد, فهي تدمغ المجتمع بالكآبة والأمراض النفسية, خاصة بين النساء, اللاتي يخفين الألم النفسي الناجم عن الكبت الجنسي, فيتعرضن الي تشوهات وآلام وأمراض, تستمر الي ما بعد الزواج. إن سيكولوجية العنوسة هي الأخطر علي أي مجتمع, فالشخص الذي يتعرض طويلا للحرمان, يظل محملا بالكراهية للمجتمع, وتشتد الكراهية تجاه من يتمكنون من ممارسة حياتهم الطبيعية, ويحقدون علي علاقات الحب, ويصيرون أكثر تزمتا ورغبة في حرمان الآخرين مما عجزوا عن تحقيقه, فندور في دائرة مفرغة من الحرمان والتزمت والكراهية. لا يمكن لحملة عن ضرورة خفض نفقات الزواج, أو التخلي عن بعض مظاهر البذخ في حفلات الزواج أن تحل الأزمة, ربما قد تخفف منها قليلا. ولا يمكن أن يكون تعدد الزوجات هو الحل, بأن نعطي للمرأة نصف أو ربع رجل, بدلا من العنوسة, لكنها أزمة أعمق بكثير تحتاج تغييرا وحلولا أعمق, تبدأ من فهمنا للأزمة, واعترافنا بأننا مجتمع مأزوم جنسيا.