ومازال الإرهاب الأسود يكشر عن أنيابه. بعمليات خسيسة وجبانة ولا تمت للدين والأخلاق بصلة, غير أن العملية الأخيرة علي أرض سيناء المباركة, والتي راح ضحيتها خيرة أبناء الوطن وأجناد الأرض قد ألقت بظلالها وخيمت الأحزان علي وجوه الشعب الذي ضجر من تلك الأفعال الشيطانية غير المسئولة, وهبت الحركات الشعبية والأحزاب والائتلافات, وجموع الشعب لدعم ومساندة القوات المسلحة وأجهزة الشرطة في حربها ضد الإرهاب الذي يسعي لإسقاط الدولة. ولكن.. ما هو دور المؤسسة الدينية في مواجهة هذا التطرف الدموي, وما يجب أن يقوم به علماء الدين للوقوف علي بواعث الإرهاب, وإيقاف عمليات تنامي التطرف, وطرق العلاج ووصف الدواء بعد تشخيص الداء. الدكتور أحمد محمود كريمة أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر اخترناه ليجيب عن تساؤلاتنا, فهو أبرز من يقف في مواجهة الجماعات الإرهابية, لمواجهة العنفين الفكري والمسلح, رغم ما يتعرض له من تهديدات وضغوط يصعب أن يواجهها إنسان. في البداية.. ما هي بواعث الإرهاب بشقيه الفكري والمسلح؟! في المأثور( لا يفتخر العلماء بكثرة العقاقير ولكن بجودة التدابير), من هنا يتكلم عن محاولة تشخيص داء ووصف دواء للعنفين الفكري والمسلح, فأما عن البواعث فهي عوامل متنوعة عديدة قاسمها الأكبر: تأويل فاسد لنصوص شرعية, وفهم معلول لشواهد ووقائع معظمها تراثية, واستشهاد خاطئ لأقوال لها ملابساتها وظروفها لبعض أهل العلم ثم تنزيلها علي غير الحقيقة علي الواقع المعاصر. ما هي ظواهر تنامي الغلو المسبب للتطرف, المفرخ للإرهاب؟! الجماهيرية والشعبية التي لا يستهان بها لرموز جماعات وفرق بأعمال دعوية بقنوات فضائية عديدة اقتحمت البيوت والعقول منها السلفية والشيعة الإمامية وهناك ظواهر ثقافية بمؤسسات تعليمية كمعاهد معلمي القرآن الكريم, معاهد أزهرية نموذجية خاصة مدارس بمراحلها المتدرجة تتبع جماعة الإخوان. ومعاهد إعداد الدعاة التي تتولاها جماعة السلفية والجمعيات الخيرية ذات الخدمات الجماهيرية التابعة للإخوان والسلفية كذلك الترويج لقضايا فكرية عاطفية لدي الناس علي السواء مثل: الحكم بغير ما أنزل الله تعالي : للجماعات الجهادية والإسلامية والسلفية والإخوان. الخلافة الإسلامية: الجهادية والإسلامية والإخوان. قدوة السلف الصالح: السلفية. نصرة آل البيت: الشيعة. وما هي الظروف والأسباب التي أدت إلي تفشي ذلك؟! الاضطهاد والقمع السياسي, والمظالم الاجتماعية علي السواد الأعظم. وضعف مؤسسات إسلامية حكومية أو رسمية, واهتزاز قيادة هذه المؤسسات, وبذل الجهود لأعمال إدارية روتينية وسياسية والشللية والوساطة والمحسوبية, وغياب الحوار الجاد والمناظرة القوية, وعدم وجود وسائل علاجية محكمة وقائية, وسهولة الاختراق لمؤسسات إسلامية, بتجنيد كوادر قيادية, وتلون البعض وتحولهم حسب الظروف, وضعف الدعم المالي لمؤسسات ذات علاقة. نستشعر انك تبتعد عن الخوض في الحديث حول غياب التنسيق بين المؤسسات الدعوية.. فهل تخشي الخوض في ذلك؟! لا أخشي في الله لومة لائم,.. ومن أسباب الفشل في مواجهة علة الأفكار الهدامة والمتطرفة سياسة الجزر المنعزلة, وغياب التنسيق بين مؤسسات دعوية, وقلة جهود فردية, وحصول تناقض بين مبادئ وأدبيات مرجعيات إسلامية معاصرة. ماذا تعني بالتناقض.. وما حدوده.. وهل هناك من أمثلة؟! الأزهر ثقافة تراثية توصف في الاعتقاد بالأشعرية, في حين أن السلفية ثقافة تراثية توصف في الاعتقاد بالوهابية وفي الفقه بالحنبلية, أما الإباضية فهي ثقافة تراثية توصف في الاعتقاد بالإباضية, والعراق وإيران, ثقافة تراثية توصف في الاعتقاد بالإمامية الشيعية, وفي الفقه الجعفري. وهل توجد فروق جوهرية لا يستهان بها؟! وجود دعم مالي للمذهبية العلمية والطائفية الدينية للسلفية والشيعية الإمامية, ونقيضه لدي الأزهر, والإباضية, ووجود مخططات قوي مخابراتية عالمية لإحداث الوقيعة بين هذه المذاهب والاتجاهات. وهل هناك أمثلة علي ما تقول؟! نعم الأزهر مناقض للسلفية, السلفية مناقضة للجميع, ومثلها الشيعة, وتذبذب الإباضية, أضف إلي ذلك أن تهميش الأكفاء في الأزهر الشريف, وتدخل الأمن وأعوانه في تصعيد شخصيات فاقدة للخبرة الإدارية والخبرة العلمية لضمان الولاء والطاعة وتنفيذ التعليمات, ومن هنا كان ليس بالغريب ولا العجيب ظهور جماعات وفرق العنف الفكري والمسلح المعاصر ومنها حسب التسلسل الزمني: جماعات( السلفية): الدعوية والحركية والجهادية, جماعة الإخوان, جماعة التكفير والهجرة, تنظيم الجهاد, جماعة الدعوة والتبليغ. جمعيات محبة ونصرة( آل البيت) للشيعة الإمامية وهذه الجماعات لها تداعياتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية. وماذا تقترح من تدابير وقائية.. أو قل روشة علاج؟! البداية تكون بإصلاح العملية التعليمية الدينية: فيجب العناية بمقررات مرحلة ما قبل الجامعة بعلوم أصلية أصيلة في علوم أصول الدين: العقيدة الإسلامية, التفسير وعلوم القرآن الكريم, الحديث النبوي وعلومه, السيرة النبوية, المنطق, والشريعة الإسلامية: الفقه الإسلامي العام, أصول الفقه, واللغة العربية وآدابها: النحو والصرف, البلاغة, الأدب, الإنشاء, الإملاء, الخط العربي, ومقررات أخري, التاريخ الإسلامي, الجغرافيا الإسلامية, مع مراعاة أن تمثل هذه المقررات70%, من المكون الأساسي للمرحلتين الإعدادية والثانوية ويجتنب في المرحلة الإعدادية الكتب التراثية, وفي المرحلة الثانوية المناهج التراثية, وتكون مختارات تراثية كمراجع مساعدة, ذات صلة بفقه الواقع, أما المقررات للعلوم المدنية الثقافية فيقرر أصول هذه العلوم بالتدرج. أما المرحلة الجامعية فيتوسع في هذه المقررات, مع الإكثار من مراجع تراثية, والفقه المذهبي والمقارن, وتاريخ التشريع الإسلامي, والتيارات الفكرية التراثية والمعاصرة, ويعهد لورش عمل في المرحلة الجامعية من أكاديميين وتربويين وضع التصورات للخطط الدراسية, والمراجع الأصلية والمساعدة, وإلغاء نظام الفصل الدراسي الواحد( التيرم) من شتي المراحل الدراسية. هذا بالنسبة للمناهج.. فماذا بالنسبة للمعلم؟! لابد من حسن انتقاء معلمين أصحاب رسالة لا شاغلي مهلة أو وظيفة. واستحداث وظيفة( المشرف الثقافي) في المراحل قبل الجامعية من حملة درجات علمية عليا تخصصية, و( المشرف الأكاديمي) في المراحل الجامعية, وربط المهام الفعلية بحوافز الجودة والترقي والانبعاث.