جاءت الشرائع السماوية لتنظيم حياة البشر وفق ما شرعه الله لإعمار الارض, وتحقيق الخلافة فيها, لذا أكدت علي ركائز أساسية عند بناء اي أمة ونهضتها, منها بث روح الأخوة, وتوحيد الصف, وعدم الكسل, والاجتهاد, حتي ان صفوة الأنبياء عليهم السلام كانوا يأكلون من عمل ايديهم. كما رفع الإسلام من قيمة العمل وجعله كالعبادة باعتباره حجر الاساس وعظم من شأنه وجعل له مكانة عالية ومنزلة رفيعه لقوله تعالي فاذا قضيت الصلاة فانتشروا في الارض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون وقوله تعالي فأمشوا في مناكبها وكلوا من رزقه واليه النشور. محمد فايد: مشكلتنا أننا ابتدعنا في الدين ولم نبتدع في الدنيا رضا حشاد: تأخر المسلمون وتقدم غيرهم لتقديسهم للعمل والوقت اعتبر الإسلام الاجتهاد في العمل كالجهاد في سبيل الله, ولذلك حض علي أن يكون العمل صالحا ونافعا باعتباره أصل أساسي من الأسس والتي يتحقق بها المبدأ الذي خلق الإنسان من أجله وهو عمارة الكون, ويطبق به قضية الاستخلاف. يقول الشيخ محمد فايد من علماء الأوقاف أن الإسلام عظم من شأن العمل وجعل له مكانة عالية ومنزلة رفيعة لقوله تعالي فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله وأذكرو الله كثيرا لعلكم تفلحون وقوله تعالي هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور. ومن تعظيم الإسلام للعمل أن اعتبره من أنواع الجهاد في سبيل الله لما ورد عن النبي صلي الله عليه وسلم عندما مر علي رجل فأعجب الصحابة بجلده ونشاطه فقالوا يا رسول الشله لو كان هذا في سبيل الله, فقال صلي صلي الله عليه وسلم إن كان خرج يسعي علي ولده فهو في سبيل الله وإن كان خرج يسعي علي أبوين كبيرين فهو في سبيل الله, وإن كان خرج علي نفسه يعفها فهو في سبيل الله, وإن كان خرج يسعي رياء ومفاخرة فهو في سبيل الشيطان, كما أن صفوة الخلق وهم الأنبياء لم يكونوا كسالي بل كانوا يعملون ويأكلون من كسب أيديهم لقول الله عباس رضي الله عنهما: كان آدم عليه السلام حراثا ونوح نجارا وإدريس خياطا وإبراهيم ولوط كانا يعملان في الزراعة, وصالح تاجرا وداود حدادا, وكان صلي الله عليه وسلم يعمل في رعي الغنم, كما كان نبي الله موسي يعمل, وكذا نبي الله شعيب, ولذلك حض الإسلام علي العمل فقال صلي الله عليه وسلم ما أكل أحد طعاما قط خيرا من أن يأكل من عمل يده, وقوله أيضا إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فإن استطاع ألا يقوم حتي يغرسها فليفعل, فربي النبي صلي الله عليه وسلم أصحابه علي العمل والكسب من عمل أيديهم, فكان أبو بكر رضي الله عنه تاجرا وسعد بن أبي وقاص يبري النبل, وعمرو بن العاص جزارا, وعثمان تاجرا وعلي عاملا, وكان عمر بن الخطاب يقول إني لا أري الرجل يعجبني فإذا علمت أن لا عمل له سقط من عيني, ورأي يوما رجلين قابعين في ركن المسجد بعد صلاة الجمعة فسألهما: من أنتما؟ فقالوا نحن المتوكلان علي الله فعلاهما رضي الله عنه بدرته ضربا ونهرهما وقال: لا يقعدن أحدكم عن طلب الرزق, ويقول اللهم ارزقني, وقد علم أن السماء لا تمطر ذهبا ولا فضة وأن الله تعالي يقول فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله. ويشير فايد إلي أن المسلمين الأوائل ادخلوا أعظم الحضارات إلي أوروبا وقت أن كانت تتخبط في ظلام الجهل والفقر فعلموهم الصناعة والطب وشتي الفنون بعكس الحال اليوم فقد صرنا عالة علي غيرنا, في كل شيء وصرنا نبتدع في الدين ونترك الابتداع في الدنيا علما بأن المطلوب هو العكس مما يستوجب علي كل مسلم أن يتحري العمل المشروع حتي يأكل من الكسب الحلال وأن يتقن عمله كما ينبغي عملا بقوله صلي الله عليه وسلم إن الله يحب يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه. ويقول الشيخ رضا حشاد إمام وخطيب بالأوقاف أن المتأمل في سر تقدم الغرب يجد أسبابا كثيرة فلم يكن هذا التقدم عفويا أو وليد الصدفة, وإنما كان نتاج جهد وعمل شاق ودؤوب, وأهم هذه الأسباب تقديس العمل وقيمته فكل ما دعا إليه الإسلام من تقديس العمل والحث عليه نراه واقعا ملموسا في حياة الأمم الراقية فلا مجال للمحاباة أو المجاملة في مجال العمل ولكننا للأسف الشديدة تجاهلنا قيمنا الإسلامية فأصبح متوسط دخل الفرد لا يقاس أو يقارن بالمستويات الأخري رغم أن الشخص نفسه لو سافر إلي دولة أخري رأيناه يؤدي عمله علي الصورة المطلوبة بعكس الحال في بلاده, في حين لو عمل في بلاده واجتهد لوجد بركة في ماله حتي لو كان قليلا, فلا سبيل إلي النهضة والرقي إلا بالعمل الجاد وليس بمجرد العمل بإتقانه. بالإضافة إلي أن من أسرار تقدم الغرب وتأخر المسلمين تقديس الوقت حيث أعلي الإسلام من شأن الوقت فأقسم الله تعالي به في أكثر من موضع في كتابه العزيز بقوله والعصر والفجر وليال عشر والضحي والليل, إذا سجي, والشمس وضحاها والقمر إذا تلاها, وقوله صلي الله عليه وسلم لا تزول قدم عبد يوم القيامة حتي يسأل عن أربع عن عمره فيما أفناه, وعن شبابه فيما أبلاه, وعن ماله من أين اكتسبه, وفيما أنفقه, وعن علمه ماذا عمله به ورغم ذلك لا نقدر للوقت قيمة, غير أن كل المعاني الراقية التي أمرنا الإسلام بها نجدها واقعا ملموسا مطبقا بمنتهي الدقة لدي غير المسلمين. حتي صار ذلك طبعا فيهم. تحقيق: رجب أبو الدهب د. محمد مطاوع: يعلي من قيمة صاحبه بث روح الأخوة وتوحيد الصف من علامات نهضة الأمم فيد الله لا تكون إلا مع الجماعة وقد اعتبر الإسلام العمل قرين الإيمان وأحد الأسس التي تحقق بها أي أمة تقدما وازدهارا. يؤكد الدكتور محمد مطاوع من علماء الاوقاف أن القرآن الكريم والنبي الحكيم صلي الله عليه وسلم دعا إلي وحدة الصف التي تجعل أبناء الأمة كالبنيان الشامخ القوي الذي يقوي في مواجهة أي إعصار يحاول اقتلاعه من جذوره بل يصمد مهما كانت المتغيرات التي تتقلب عليه, وهذه هي الجذور العميقة أصلها ثابت وفرعها في السماء, فهي طريق الهداية والخروج من الغواية والضلال والتيه, وهذه الوحدة تقوم في الاساس علي. أولا: التمسك بكتاب الله وسنة رسوله صلي الله عليه وسلم لقوله تعالي واعتصموا بحبل الله جميع ولا تفرقوا فمن طلب الهدي من غير القرآن ضل, ومن طلب العز من غيره ذل, ولهذا يقول صلي الله عليه وسلم تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدا كتاب الله وسنتي. ثانيا: الحب في الله والتآلف بين القلوب وهذا بيد علام الغيوب سبحانه وتعالي الذي يقول هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين وألف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الارض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم الأنفال, فالإنسان عبدالاحسان وحسن الخلق ومهما أنفق الانسان ودفع من ماله لن يستوعب الناس ولن يحبوه إنما يتأتي هذا بحسن الخلق لقوله صلي الله عليه وسلم إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم إنما تسعوهم بحسن أخلاقكم ثالثا: لا نصل إلي مرحلة الجسد الواحد إلا من خلال التراحم والتواد وأن يشعر المسلم بألم أخيه, فيمسح دمعه فيفرح الحزين ويذهب الأنين ويهتدي الضال وفي هذا يقول سيد الأولين والآخرين مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكي منه عضو تداعي له سائر الاعضاء بالسهر والحمي فإذا تحقق ذلك وأصبحنا نتألم لأنات المرضي وآهات المحرومين وزفرات المشتاقين إلي رحمة الله التي سوعت كل شيء, وهذا الشعور والتراحم من صميم الإيمان وذلك يحذر النبي صلي الله عليه وسلم في قوله ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع رابعا: الحب في الله لقوله صلي الله عليه وسلم ورجلان من تحابا في الله اجتمعا علي حبه وافترقا علي حبه. خامسا: العفو والصفح والتسامح وهذه الثقافة لابد أن تسود وتحل محل الحقد والبغضاء والشحناء والقطيعة بين أبناء المجتمع الواحد لما ورد من نهي عن ذلك في قوله صلي الله عليه وسلم لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا وهذه الأخوة الاسلامية نابعة في الاصل من الخضوع لرب واحد ودين واحد ونبي واحد وكتاب واحد لقوله تعالي إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون سورة الانبياء سادسا: من الأسس التي تؤدي إلي تحقيق وحدة الصف وسطية الفكر والسلوك والأمة الوسط تحدث عنها الحق في البعد عن الشطط والغلو في الفكر لقوله تعالي وكذلك جعلناكم أمة وسطا فالفكر الوسطي يجعل صاحبه يتحكم في حياته وفي غرائزه فيقصد في طعامه وشرابه وجميع تصرفاته استحابة لقوله تعالي وكلوا واشربوا ولا تسرفوا لدرجة أن يقتصد المسلم في انفاقه لقوله تعالي, والذين اذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما الفرقان, فإذا ما تحققت هذه الأسس وحرص أبناء الامة علي التمسك بها تحققت لهم وحدة الصف وهو ما أحوج الأمة إليه الآن. ويضيف د. مطاوع أن مقتضي حال الأمة الآن خاصة المجتمع المصري يتطلب إلي جانب تحقيق وحدة الصف بداية العمل الجاد, كل في موقعه فأي أمة لا يمكن لها أن تتقدم إلا بالعمل والانتاج لا بالتراخي والتماسل والتواكل بل عليها أن تجد وتعمل وتعرق وتكدح حتي تحقق مبتغاها ومشتهاها, فجميع التعاليم الالهية كانت تحض علي العمل لدرجة أنها قرنت بين الايمان والعمل وجعلته من سمات المؤمنين لقوله تعالي الذين آمنوا وعملوا الصالحات سوره الرعد فلابد من العمل مع الإيمان فالإيمان وحده لا يكفي لقوله صلي الله عليه وسلم ما بعث نبي إلا ورعي الغنم.