اليوم يوافق الذكرى ال41 لنصر أكتوبر، أعظم انتصارات العسكرية المصرية فى القرن العشرين، ذلك النصر الذى ولد من رحم المستحيل بعد الهزيمة المذلة فى 5 يونيو 1967 والتى أصابت إسرائيل بالغرور والصلف وصدقت أن جيشها لا يقهر وأنها قادرة على ابتلاع الأراضى التى احتلتها فى عدوان الست ساعات، قبل أن يفاجئها قرار العبور وتلحق أول هزيمة عربية بجيشها على يد القوات المصرية الباسلة، وهو الانتصار الذى أجبرها على الجلوس فوق طاولة المفاوضات والانسحاب من سيناء العزيزة على قلب كل مصرى. اليوم يحل عيد الانتصار العظيم متلازما مع عيد الأضحى، رمز التضحية والفداء، فإذا كان الخالق جل وعلا قد افتدى سيدنا إسماعيل من الذبح مصداقا لقوله تعالى "وفديناه بذبح عظيم" فما أحوجنا إلى تذكر شهداء أكتوبر وأبطاله الذين ضحوا بأرواحهم كى تعيش مصر أبية، عزيزة، كريمة وسط الأمم، وما أحوجنا إلى تكريم صناع هذا النصر ورد الاعتبار إلى من تم تجاهله منهم رغم مرور 41 عاما على ملحمة أكتوبر، فأن يأتى التكريم متأخرا خير من ألا يأتى. إن مصر التى تتحسس طريقها للنهوض من جديد بعد تعثر دام أكثر من ثلاث سنوات، يتعين عليها أن تتصالح مع ذاتها، وأن تعيد قراءة تاريخها بعين ناقدة، وفى مقدمة ذلك معجزة السادس من أكتوبر، فهذه المعجزة بلغة عصرها شكلت نموذجا نادرا وفذا فى التخطيط والإدارة وحشد قدرات الدولة لتحقيق هدف مشترك، وتوحد خلالها الشعب خلف قيادته السياسية والعسكرية، وتفانى الكل وتعاضد مع الكل من أجل غسل عار الهزيمة، ومن ثم فمهما تمر السنون لا ينضب معين ملحمة أكتوبر، ونحن مطالبون بالتفتيش بين أضابيرها لاستلهام دروسها وعبرها، علها تكون هاديا ومرشدا لنا ونحن نعيش تحديا جديدا بعد ثورة 30 يونيو التى أعادت مصر للمصريين وسطرت تاريخا جديدا فى سجلات الدولة المصرية. ومن المفارقات أن القوات المسلحة صانعة نصر أكتوبر والتى وقف خلفها الشعب بأسره، مساندا وداعما، هى التى تتصدر المشهد السياسى الآن بقيادة الدولة المصرية نحو التعافى، والانتصار على مخططات التقسيم والتشظى والاقتتال الأهلى وكل صور الفوضى الهدامة التى بشرت بها كوندوليزا رايس عام 2006 وتتوالى تداعياتها الكارثية على دول المنطقة، مما يجعلنا أكثر ثقة فى المستقبل وفى الاطمئنان لخيارات الشعب المصرى. إن المؤسسة العسكرية المصرية تعد مصدرا لفخر كل مصرى، فهى مؤسسة وطنية شديدة الانضباط، مهمتها الأولى الحفاظ على التراب الوطنى وأمن مصر القومى، فى عالم باتت التحديات فيه لا تعد ولا تحصى والمتآمرون على الشعب المصرى موجدون فى الداخل والخارج ولا أمل لهم سوى هدم الجيش المصرى، آخر جيوش العرب الذى حافظ على وحدة التراب المصرى وتصدى فى شجاعة لمخطط الأهل والعشيرة، وحال دون استنساخ التجربة السورية، ومن ثم بات لزاما علينا أن نحافظ عليه بالغالى والثمين، وأن نعطيه حقه من التقدير. وليس أفضل من ذكرى نصر أكتوبر للتذكير بدورالجيش المصرى فى بناء مصر الحديثة، الفتية التى تتحدث بلغة العلم والتكنولوجيا، بعيدا عن حملات المزايدين والمغرضين والموتورين والمشككين والمتربصين، ممن على شاكلة الرئيس التركى وإخوانه الذين خططوا ويخططوا لإفساد احتفال الشعب المصرى بانتصار قواته المسلحة الباسلة، أملا فى تعكير أفراح المصريين بالعبور من الهزيمة إلى الكرامة، ومن حكم الجماعة الظلامية إلى رحابة الإسلام السمح الذى لا يعرف جز الرءوس أوتكفير المخالفين فى الرأى. مرة أخرى، أوجه كل التحية والعرفان لصناع نصر أكتوبر، وكتائب التعمير والبناء على أرض مصر التى تحفر بسواعد أبنائها قناة السويس الجديدة وتضع مصر على طريق الأمم الناهضة، شاء من شاء وأبى من أبى، فمادام الجيش والشعب المصرى على قلب رجل واحد فلا خوف على مصر من الأعداء وإن كثروا. والتحية والعرفان لروح الرئيس الراحل أنور السادات صاحب قرار العبور الذى أثبت به أنه زعيم وقائد سياسى من طراز فريد.