تعاني صناعة السياحة في مصر العديد من الأزمات, وتمر في هذه الأيام بأسوأ فتراتها, رغم ما تملكه مصر من مقومات تتجلي فيها عبقرية الزمان والمكان علي حد تعبير الراحل جمال حمدان , فمصر ابنة تاريخ وحضارة امتدت لأكثر من سبعة آلاف سنة, وتضم بين جنباتها ثلث آثار العالم, وتتعدد منتجاتها السياحية, ما يجعلها مقصدا سياحيا متكاملا علي مدار العام, فموقعها الجغرافي المتميز والإستراتيجي, وشواطئها الفيروزية الممتدة علي البحرين الأبيض والأحمر, وطقسها المعتدل خاصة في فصل الشتاء كفيل بأن تتبوأ مكانتها في صدارة المقاصد السياحية, ورغم هذا هناك أزمة خاصة في الأعوام الثلاثة الأخيرة. وقد أضر الركود السياحي بالاقتصاد المصري, وعلي العاملين في هذه الصناعة, ويقدر عددهم بنحو ثمانية ملايين عامل في القطاع السياحي المباشر وفي القطاعات الخدمية اللوجيستية, مع ما يعولونهم من أسر بما يصل بالعدد إلي نحو ثلث الشعب المصري, بالإضافة إلي تأثيره علي الدخل المصري من العملة الصعبة, والذي بلغ أكثر من عشرة ملايين دولار في عام2010, مما أثر علي سعر صرف الدولار ليرتفع بنسبة40% خلال3 سنوات. وقد جمعني لقاء مع الخبير السياحي رءوف نسيم, دار خلاله حديث يفيض حبا لمصر, لم يعكره إلا الإحساس بالأسي علي حال السياحة في مصر, وهناك عامل الأمن, فلا سياحة دون أمن وأمان, ومصر تعيش حربا ضد الإرهاب الأسود والجماعات الجهادية التي تروع المواطن والسائح علي حد سواء, فعدم الإحساس بالأمن يضر بالسياحة, ويبعد السائح, رغم التحسن الواضح في هذا الملف بعد ثورة30 يونيو. وهناك عامل الوعي لدي المواطن المصري, الذي يجب عليه الاهتمام بالسائح, باعتباره ضيفا يستحق الحفاوة والإكرام, كما أنه يمثل مصدرا للدخل القومي من العملة الصعبة, ويوفر فرصا للعمل للحد من مشكلة البطالة, ومن هنا يجب توعية المواطن بضرورة حماية السائح وخاصة السيدات من التحرش في الأماكن السياحية, علي الشواطئ وفي الفنادق والمطاعم والكافيهات. وعندما دار الحديث حول دور وزارة السياحة أدهشني الخبير السياحي بأن أكبر دولة سياحية في العالم, وهي فرنسا, لا توجد بها وزارة للسياحة, وإنما يدار هذا القطاع بنظام النقابات, نقابة لشركات السياحة, ونقابة لشركات الطيران, وأخري للمرشدين, وهكذا, وهذه النقابات تمتلك حق اتخاذ القرار, وعندها القوة لمتابعة التنفيذ, مما يعطيها المرونة الكافية لإدارة ملف السياحة بكفاءة عالية بعيدا عن البيروقراطية الحكومية. وعلاج أزمة السياحة ممكن إذا توافرت الإرادة الصادقة, ويأخذ عدة جوانب, فأولا: لا بد من توفير الأمن والأمان للسائح, بالقضاء علي إرهاب الجماعات التكفيرية, وتلافي القصور الأمني والتأخر في تحقيق العدالة الناجزة, وتطبيق القانون بكل حزم, وثانيا, أن تستغل وزارتا السياحة والآثار هذا الوقت الذي تنخفض فيه أعداد السائحين في ترتيب وتنظيم البيت من الداخل, بصيانة المزارات السياحية, وترميم وإصلاح ما يحتاج إلي ذلك من المعالم الأثرية, والأهم من كل ذلك هو الدعاية لمنتجات سياحية متنوعة, كالسياحة الشاطئية ورياضة الغوص, وعمل برامج توعية للمواطنين بأهمية السياحة, وللعاملين في المجال بطرق وأساليب الترحيب بالسائحين والعمل علي راحتهم, وتقديم الوجه الحضاري لمصر, حتي يكون السائح خير سفير للسياحة المصرية في بلده. كتبت منذ نحو أسبوع خطاب مفتوح لوزير المالية, نشرته الأهرام المسائي, عن الأموال المهدرة في الشقق المفروشة, والتي لا تحصل الدولة أي ضرائب منها, وقد لقي هذا الخطاب صدي واسعا, وتلقيت اتصالات هاتفية عديدة من أصدقاء ومن قراء تباينت ردود أفعالهم ما بين مرحب بالاقتراح وداعم له, وبين من أضاف معلومات جديدة أو أفكارا حول هذا الاقتراح, وأكثر ما أسعدني هو اتصال الدكتور علي لطفي, الخبير الاقتصادي ورئيس وزراء مصر إبان حقبة الثمانينيات, وقد جاء تعقيبه مؤيدا لما ورد بالمقال, مؤكدا أن عدم تتبع تأجير الشقق المفروشة عن طريق مصلحة الضرائب يعد إهدارا لموارد الدولة, فهذه الشقق قد يصل إيجارها الشهري إلي15 ألف دولار, والضرائب الحقيقية المستحقة عليها تبلغ20% بعد خصم50% مقابل المصاريف, وهو ما لا يحدث الآن. وينصح الدكتور علي لطفي مصلحة الضرائب بالقيام بحملات توعية للمواطنين بالضرائب المستحقة علي هذا النشاط, وأهمية توريدها لخزانة الدولة, وكذلك حسن استخدام الحصيلة الضريبية لصالح الدولة تحقيقا للعدالة الاجتماعية التي نريدها, وتحيا مصر.