قال الامام احمد بن حنبل رحمه الله تعالي: لاينبغي للرجل ان ينصب نفسه للفتيا حتي يكون فيه خمس خصال: أولا: أن تكون له نية فان لم تكن له نية لم يكن عليه نور ولا علي كلامه نور. فالمخلص لله في نيته يكون الله معه, حيث قال من صدق مع الله صدقه الله جل جلاله ولذلك لما كان سيدنا يوسف قد أخلص النية مع الله خلصه الله من كيد امرأة العزيز, وقال الله في شأنه:( انه من عابدنا المخلصين)24 يوسف ثانيا: ان يكون له علم وحلم ووقار وسكينة: وذلك لأن من أفتي بغير علم فسدت فتواه وتعرض لغضب الله جل جلاله قال:( من أفتي بغير علم كان إثمه علي من أفتاه). وقال تعالي في سورة الزمر: (ويوم القيامة تري الذين كذبوا علي الله وجوههم مسودة أليس في جهنم مثوي للمتكبرين)60 الزمر. وهذا بيان عاقبة الذين يكذبون علي الله جل جلاله. وينبغي للفقيه ان يتصف بالحلم, لانه كسوة العلم وجماله, فبالعلم يعرف المرء وشدة الحلم يثبته, والوقار والسكينة من ثمرات الحلم. وليتأمل المفتي موقف رسول الله صلي الله عليه وسلم من الأعرابي الذي بال في المسجد ووجد الصحابة تناولوا الاعرابي بالكلام, رأيناه قال لهم: دعوه: صبوا علي بوله سجلا من ماء أو ذنوبا من ماء فانما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين. ثالثا: ان يكون المفتي قويا علي ما هو فيه وعلي معرفته. رابعا: الكفاية وإلا مضغه الناس: وهذا معناه ان المفتي يكون مستغنيا عما في أيدي الناس فلا يتطلع الي ما في أيديهم ولايمد يده إليهم. وذلك لأن من يمد يده للناس لابد وأن يجامل الناس من باب: اطعم الفم تستحي العين. ومن كان عالة علي غيره فسدت فتواه, ومن كان هذا حاله ابتعد الناس عنه, وزهدوا فيه. خامسا: ان يكون عارفا بالناس: ان يكون عارفا بأحوال الناس, لان من كان جاهلا بأمور الناس فسدت فتواه, فقد يأتي إليه المظلوم في صورة الظالم, وقد يأتي إليه المتهم في صورة البريء وقد يأتي إليه الطالح في صورة الصالح. ومن الاسباب التي تؤدي الي فساد الفتوي: الاجمال في الاجابة ولو أن المفتي تخلق باخلاق سيدنا رسول الله صلي الله عليه وسلم لعلم انه عليه الصلاة والسلام كان في بعض الاحيان يستمع الي سؤال السائل ثم يجيبه ويضيف في اجابته شيئا ليزيل اي ايهام يقع في ذهن السامع. فعن ابي هريرة أن رجلا سأل النبي صلي الله عليه وسلم قال يارسول الله: إنا نركب البحر وليس معنا إلا ماء قليل فإن توضأنا به عطشنا أفنتوضا بماء البحر فاجابه النبي صلي الله عليه وسلم: البحر هو الطهور ماؤه الحل ميتة. ووجه الدلالة من هذا الحديث: أن سيدنا رسول الله صلي الله عليه وسلم سئل عن الوضوء بماء البحر وكان السائل ينتظر الفتوي التي تتعلق بالوضوء من ماء البحر باعتبار ان ماءه متغير طعما, وكانت إجابة الرسول صلي الله عليه وسلم مزيلة لاي ابهام يقع في نفس السائل فأجابه إجابة مطمئنة قائلا له: البحر هو الطهور ماؤه, وهذه هي اجابة السؤال لكنه قال: الحل ميتة, وكأنه يقول له: اذا كانت ميتة البحر طاهرة فكيف بالماء الذي ماتت فيه, ففي ذلك إزالة للبس الذي قد يقع في ذهن السامع.