تبقي كارثتنا الكبري أن أيا منا لا يعرف ماذا يريد علي وجه التحديد. رغم ذلك فجميعنا يزعم أنه يفهم في كل شئ. يعلم ببواطن الأمور لكن أحدا لا يمنحه الفرصة لإثبات موهبته. نحن محللون سياسيون ومحللون كرويون بل وأطباء ومهندسون ومدرسون عند اللزوم. نحن شعب من دون بقية شعوب العالم يزعم أنه يفهم في كل شئ ويعرف كل شيء. نجيد ببراعة إصدار الأحكام العامة. فإذا أحببنا صنعنا ممن نحب إلها وإذا كرهنا جعلناه شيطانا رجيما. إننا نعيش فصاما حقيقيا. الشيء ونقيضه. متعصبون لرأينا دائما دون سند من علم أو حق. فهذا المدرس هو "بروفسور" الأحياء وهذا هو "كنج" الكيمياء. وهذا الطبيب يحيي الموتي. وهذا الآخر لايفقه شيئا حيث عالج أحد اقاربي فمات. وهذا المسئول شريف وهذا الأخر لص. دون حتي أن نتعامل مع أي منهما. والكارثة أننا في كل الحالات نصدق أنفسنا. حتي أفلام السينما بتنا نقيمها هي الأخري بعين الأخر فإذا خرج جمهور العرض الأول راضيا. يتهافت الأخرون علي الفيلم والعكس صحيح. بل إن الذي لم يشاهد الفيلم من الأساس تراه يشيد به ويقسم أنه سيكون قنبلة الموسم لمجرد أنه سمع ذلك من شخص آخر. المطلوب ببساطة أن نعيش أنفسنا كما هي. نستعيد هويتنا. نفتخر بها فهذا هو سبيلنا الوحيد لأن نعود روادا في كل المجالات كما كنا. فالمصريون عبر تاريخهم كانوا هم فخر الدنيا بإنجازاتهم وحضارتهم. لكننا اليوم صرنا مسخا. فقدنا ثقتنا بأنفسنا نتيجة جهل متوارث ونظام تعليمي فاشل وعدالة غائبة. وأمراض متفشية. ورعاية صحية متدنية وأزمات متراكمة لا حصر لها. حتي أصبحنا فاقدي الأمل في الغد. كما فقدت الأسرة المصرية أفضل ما كان يميزها وهو الترابط والاحترام والتواصل. فانتشرت الأمراض المجتمعية. الكذب. وغياب الأمانة. والرشوة والفساد وغابت القيم وظهرت جرائم لم تكن أبدا في الحسبان. نتيجة التفكك الأسري والإدمان كقتل الأم والأب وزنا المحارم وخلافه. قلت في مقالي السابق إننا في حاجة جادة وعاجلة إلي مشروع أخلاقي. مشروع يعيد للمصريين أجمل ما كان فيهم ويميزهم. مشروع يجعل الكل سواء أمام المجتمع والقانون. لا يفرق بين مواطن وآخر إلا بقدر الولاء والانتماء للوطن. بصرف النظر عن اللون أو الديانة أو العرق. هكذا نهضت أوروبا حين أشعرت كل مواطن بأن البلد ملك له وأن حقه في العيش الكريم يبقي مشروعا طالما أدي ما عليه من واجبات تجاه وطنه الأم. إننا أيضا في حاجة إلي من يبعث فينا الأمل بعد أن دب اليأس في حياتنا. وأصبح التفاؤل أمنية بعيدة المنال وصارت مفردات الإحباط واليأس وعدم الثقة بالنفس تتصدر قاموسنا. ولم يعد الأمر مقصورا للأسف علي كبار السن ممن يأسا من اللحاق بآخر عربة في قطار الحياة. بل الكارثة إن الأمر وصل إلي الشباب وهذا يعني أن أمل الغد بات مشوشا والأمم بشكل عام لا تشيخ إلا إذا دبت الشيخوخة في شبابها. لو استوقفت أي شاب في الشارع وسألته عن رؤيته للمستقبل وماذا ينتظر منه فلن تجد عنده سوي إجابة محبطة. ولعل هذا هو ما يدفع بعض خيرة شباب مصر في الجامعات للانسياق وراء دعوات الهدم والتخريب مثلما حدث في العام الماضي. لم تكن قضية هؤلاء ومحركهم هو الانتماء لجماعة الإخوان كما يحاول البعض أن يفسر. وإنما هو اليأس من الغد والإحساس بأن المستقبل بلا ملامح وأن الوساطة والمحسوبية في النهاية ستسود وستكون صاحبة اليد العليا. إننا بحاجة لمن يبعث فينا الأمل ويمحو أوزار الماضي ويؤكد أن المستقبل سيكون أكثر عدالة وإشراقا وأنه سيسعنا جميعا دون تفرقة او محاباة. وليكن الحب والترابط والالتفاف حول الوطن هو مشروعنا القومي. فلو حدث ذلك سنعود كما كنا من أعظم الأمم. فتري هل سيتحقق هذا الأمل؟ وللحديث بقية.