الليل. والصمت. وضوء القمر على صفحة الماء الساكن. وشجرة عجوز تلقى بأغصانها فى ماء النيل. لتشرب من ماء النيل الطيب ليبقيها فى الحياة. حتى يحين الميعاد. وبين لحظة وأخري. تظهر فقاعة ماء بلا صوت. تأتى من الأعماق. وشعاع القمر ينعكس بضوء خافت. يظهر شبح يقف ليس بعيدا. لايتحرك. لم أره بوضوح. ولكن نظراته إلى أحسست بها. شئ ما ينظر إليك فى الظلام تحسه ولاتراه. ورفعت رأسي. فوجدتها. وعرفتها أنها صديقة عمري. الفراشة. هذه المرة. حزينة. والتقت العيون. الدموع تحجرت فى عيني. والنظرة أصبحت غريبة. والرؤية مليئة بضباب كثيف لا تلمحه ولكنك تشعر به. ويلف المكان!. - قالت. لماذا لا تبكي؟ جاء صوتها الحزين يسألني. يحثنى على البكاء! قلت. أنا أبكى بلا دموع. وأحزانى فوق طاقة دموعي! - قالت. الموت حق! قلت. أعرف وأؤمن! قالت. هو الفراق! قلت. هو فراق الأصدقاء. فراق الفنان. فراق الزمالة فراق الأضواء. فراق الحياة الغريبة التى يعيشها الفنان فى رحلة الشقاء. ذلك الفراق التراجيدى الذى تنتهى به حياة أى فنان رحلة عذاب لا يراها. ولايعيشها غير الفنان! الدخول إلى شخصية والخروج منها فى أى فيلم أو مسلسل أو مسرحية عذاب. القلق الفنى الذى يعيشه الفنان بعد كل عمل يقدمه. عذاب. الخوف من الفشل والنجاح. الرعب الكامل فى الأعماق. الجهد الخارق للإبداع. العمر المسروق مع دوران الكاميرات. العلة والمرض الذى يقاومه ويخفيه عن العيون. وحتى عنه هو وعيون الآخرين. المقاومة القاتلة التى يفرضها الفنان على نفسه. ليقف أمام الجمهور. أو يسجل إبداعه على شريط سينمائي. والخوف من الحاجة إذا فرضت عليه بعد مرض فنى لعين يحتاج لعلاج. ويقاوم الزمن. وأمراض الفن اللعين. وفى النهاية يرحل. فجأة يرحل. ولا اعتراض على الرحيل. فهو حق إلهي. يؤمن به الجميع! - قالت الفراشة. بعد سماعها كل ماقلته. بألم شديد. وحزن دفين فى الأعماق: - ياصديق عمرى أنا الأخري. الكل إلى رحيل. وتبقى الأعمال ليكملها الآخرون. هذه سنة الحياة وحكمة الإله! ومر أمامى شريط رحيل كثير من نجوم الفن الأصدقاء وغير الأصدقاء. وكلهم أصحاب رحلة عظيمة فى عالم الفن ورسالة رائعة إلى صناع الفن. وإلى جماهير الشعوب التى شاهدتهم على شاشات سينماهم وقنوات تليفزيوناتهم. تذكرنا دائما بأيام وجودهم. وإبداع فنونهم! واحتراق وجهى من دموع الحزن الساخنة التى اندفعت من عيني. وتحركت الفراشة التى كانت واقفة أمامي. وتقدمت إلى حيث أنا جالس على شاطئ النيل بجوار الشجرة العجوز. ومدت يدها بهدوء تلامس بهواء يديها دموع الحزن التى ملأت عيوني! حتى تهدأ. وتجف! وهمست بصوت ملأ المكان. وصداه يتردد مع أمواج النيل الطيب الهادئة. وقالت. الله يرحم الجميع. من رحل منهم. ومن مازال يعيش. من الأصدقاء جميعا. وإلى لقاء قريب يا أطيب الأصدقاء. وذهبت من حيث أتت فراشة الليل الحزينة! وتركت أنا أيضا المكان الحزين. بعد أن اختفت الفراشة مع سحب الضباب من أمامي! وفى اليوم التالي. جاءت شمس جديدة. ونهار جديد وحركة للحياة. تجبرنا على الحياة. والزمن يدور. والكاميرات تدور. والمخرج صاح المشهد الثاني. حركة - وبدأت الحياة تدب فى الاستوديو من جديد. ! وإلى اللقاء.