ظل تنظيم القاعدة, لسنوات طويلة, يتربع علي عرش الجهاد العالمي, وظل قادته( بن لادن- الظواهري) هم الآباء الروحيون لكل الجهاديين في العالم تقريبا, لا ينازعهم في هذا الأمر أحد , نظرا لمكانة القاعدة في أوساط التنظيمات الجهادية علي مستوي العالم, نتيجة العمليات الضخمة التي قامت بها ضد الولاياتالمتحدة والدول الغربية. وما زاد من شعبية القاعدة, أنها رفعت شعار الدفاع عن المسلمين المستضعفين في الأرض, من خلال إعلانها عن الجبهة الإسلامية العالمية لقتال اليهود والصليبين, حتي صارت القاعدة هي الملهم لمعظم التيارات والتنظيمات الجهادية بمختلف أشكالها علي مستوي العالم. ثم ظهر علي الساحة الإقليمية تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام, أو ما يعرف باسم داعش, والذي تمكن من سحب البساط من تحت أقدام القاعدة في زعامة التيارات الجهادية في المنطقة, بعد أن قام التنظيم بخطوة هي الأولي من نوعها في تاريخ التنظيمات الجهادية, وهي إعلان قيام الخلافة الإسلامية بتنصيب خليفة للمسلمين, وهو قائد التنظيم أبو بكر البغدادي, وتغير مسمي التنظيم من الدولة الإسلامية في العراق والشام إلي مسمي الدولة الإسلامية فقط. وقد أصبح البغدادي بعد إعلان الخلافة, وتنصيبه خليفة للمسلمين, ينافس الظواهري بقوة علي زعامة الجهاد العالمي, خاصة أن الرجل تمكن من جذب أنظار الجهاديين وتعاطفهم علي مستوي العالم, بعد إعلان الخلافة الإسلامية التي تعد الهدف الأسمي لكل الجهاديين في العالم, وبالتالي لعب الرجل علي الوتر الحساس لكل الجهاديين, مما جعله يتبوأ مكانه كبيرة في أوساط التنظيمات الجهادية, جعلته ينافس الظواهري بقوة علي المرجعية والقيادة الروحية للجهاديين في العالم, وهذا ما أثار بعض التساؤلات علي الساحة, حول أهم السمات والفروق بين الرجلين. وفي هذا الإطار, يمكن الإشارة إلي أن هناك عددا من السمات الشخصية والأيديولوجية والعملياتية تميز كلا من الرجلين عن الآخر, لاسيما في ضوء المقارنة بينهما في الأوساط السياسية والإعلامية أو ما يمكن أن يطلق عليه المقارنة بين المرجعيات. السمات الشخصية: ** أيمن الظواهري زعيم القاعدة, من مواليد19 يونيو1951, وهو رجل ينتمي إلي أسرة مصرية عريقة, حيث كان جده لوالده الشيخ محمد الأحمدي الظواهري شيخا للأزهر, خلال الثلاثينيات, كما أن خاله لأمه عبد الرحمن عزام أول أمين لجامعة الدول العربية. وقد حصل الظواهري علي بكالوريوس الطب عام1974 جامعة القاهرة, وقد بدأ التحاقه بالحركة الإسلامية عام1968, حيث شكل مع آخرين جماعة صغيرة سرعان ما تفككت ليخوض بعدها عدة تجارب تنظيمية صغيرة حتي عام1981. وكانت شخصية الظواهري تتسم دائما بالهدوء, وحرصه الدائم علي السير في طريق الحركة الإسلامية, والعمل الجهادي, خاصة طريق التنظيمات السرية, كما أن الرجل كان يوصف بأنه كتوم, ولا يتحدث كثيرا في العمل التنظيمي والحركي حتي مع أقرب المقربين. أما بالنسبة للبغدادي, فلم يكن معروفا بشكل كبير في الحركة الجهادية حتي وقت قريب, واسمه إبراهيم عواد إبراهيم البدري, من مواليد عام1971 في مدينة سامراء العراقية, له العديد من الأسماء والألقاب, منها, علي سبيل المثال,علي البدري السامرائي, والدكتور إبراهيم, وأخيرا أبو بكر البغدادي. هو خريج الجامعة الإسلامية في بغداد, درس فيها البكالوريوس, والماجستير والدكتوراه, وعمل أستاذا, ومعلما, وداعية. ولد البدري في عائلة متدينة تتبع النهج السلفي, ووالده الشيخ عواد من وجهاء عشيرة البوبدري العراقية, وأعمامه دعاة في العراق, حسبما يشاع. وقد بدأ البغدادي نشاطاته منطلقا من الجانب الدعوي والتربوي, إلا أنه ما لبث أن انتقل إلي الجانب الجهادي, حيث ظهر كقطب من أقطاب الجهادية, وأبرز منظريها في محافظتي ديالي وسامراء العراقيتين. المنطلقات الأيديولوجية: كان الظواهري ينطلق أيديولوجيا من فكر تنظيم الجهاد المصري, الذي كان يتمحور حول أولوية قتال العدو القريب علي قتال العدو البعيد, وظل الرجل ثابتا علي هذه القناعة, حتي سافر إلي أفغانستان, والتقي هناك أسامة بن لادن. وجد الظواهري في أسامة بن لادن الإمكانيات المالية الكبيرة, والشهرة الواسعة, والاتصالات القوية مع العديد من الحركات الإسلامية في مناطق مختلفة من العالم, الأمر الذي وفر للظواهري ما كان يحلم به من تكوين تنظيم قوي يتمكن به من إسقاط النظام المصري, ولكن بن لادن كان يري أن قتال العدو البعيد أولي في هذه المرحلة. وسرعان ما تنازل الظواهري نزولا علي رغبة بن لادن, الذي كان يري أن قتال العدو البعيد, وهو الولاياتالمتحدةالأمريكية والدول الغربية, أولي بالقتال من العدو القريب, وهي الأنظمة العربية والإسلامية. أما البغدادي, فإن الرجل, كمن سبقه في قيادة التنظيم في العراق, كانت تسيطر عليه فكرة تكوين دولة, من خلال السيطرة علي مساحة من الأراضي, تكون نواة لإقامة الدولة الإسلامية الكبري( دولة الخلافة), وهذا يتحقق من خلال قتال العدو القريب في العراق, ويتمثل في الاحتلال الأمريكي, والحكومة العراقية التي تسيطر عليها الطائفة الشيعية في البلاد. كما أن الفكر الذي يعتنقه البغدادي, والذي تلقاه علي يد الزرقاوي, به العديد من الأفكار والمفاهيم التكفيرية, وهذا ما يجعل عمليات التنظيم في العراق وغيره عمليات مروعة, وتتخطي كل المتعارف عيه لدي التنظيمات الجهادية في المنطقة.