ويمكن في هذا السياق دراسة النموذجين المغربي والليبي علي سبيل المثال في التعرض لتلك التأثيرات ومدي قدرتهما علي مواجهتها, وذلك بالنظر إلي اشتراكهما في القرب النسبي من الشواطئ الاوروبية ما يجعلهما مقصدا مفضلا لحركة الهجرة السرية, ومركزين اساسيين للاستقرار المؤقت لأعداد مهمة من المهاجرين الافارقة في طريق رحلتهم نحو أوروبا. وبالإضافة إلي ذلك تعتبر ليبيا والمغرب من الدول التي طبقت خطة عمل واضحة المعالم نسبيا في التعامل مع ظاهرة الهجرة غير القانونية المنطلقة من أراضيهما أو العابرة لها, عكستها جملة التشريعات التي سنتها هاتان الدولتان والإجراءات التي اتخذتاها خلال السنوات القليلة الماضية. أ.حالة المغرب لم تعد حالة الهجرة السرية في المغرب تعكس الصورة التقليدية التي كانت سائدة في بداية التسعينات والتي تتميز بهيمنة المحاولات المعزولة التي كان يقوم بها مواطنون مغاربة. فقد أخذت عمليات الهجرة السرية تعتمد علي شبكات منظمة ومهيكلة ومتداخلة تغذي إجراما عابرا للحدود يصعب التحكم فيه. ويمثل المهاجرون السريون القادمون من البلدان الإفريقية جنوب الصحراء المادة الرئيسية لهذه الظاهرة التي لاتخفي امتداداتها الدولية في حين شهدت حركة الهجرة السرية للمواطنين المغاربة نوعا من الجمود والتراجع منذ2002, وهو التراجع الذي يعود علي الخصوص إلي الإجراءات الأمنية المتخذة من قبل السلطات المغربية, وكذا من خلال حملات التحسيس حول مخاطر الهجرة السرية. وتعتمد شبكات الهجرة السرية علي المستقطبين وموفري الإيواء والناقلين الذين يتوفرون في الغالب علي ورش سرية لبناء القوارب. وكقاعدة عامة, يحاول المهاجرون السريون العبور إلي الضفة الأخري بواسطة القوارب أو شاحنات النقل الدولي سواء عبر مضيق جبل طارق أو جزر الكناري. كما يحاول مهاجرون مغاربة آخرون الالتحاق بإيطاليا عبر جزيرة لامبيدوزة. ويمثل تدفق المهاجرين السريين الأجانب مشكلا حقيقيا له انعكاسات متعددة حيث لم يعد المغرب مجرد بلد عبور بل تحول تدريجيا إلي وجهة نهائية. وقد مكن تفهم مختلف جوانب هذه الظاهرة مصالح الأمن من ترشيد طرق العمل والتدخل والتحقيق كما مكن السلطات المحلية بالمغرب من وضع استراتيجية للمحاربة الشاملة والمندمجة لهذه الظاهرة. وتندرج الإستراتيجية التي اعتمدت في مجال مكافحة الهجرة السرية ضمن منطق شمولي يجمع بين الأوجه القانونية والمؤسساتية والأمنية والسوسيواقتصادية والتواصلية. فعلي الصعيد التشريعي, دخل حيز التنفيذ القانون رقم03 02 حول دخول وإقامة الأجانب في المغرب والهجرة المعاكسة في نوفمبر2003. وكان الهدف من ذلك الإجراء هو توحيد القوانين السابقة وضمان الانسجام بين المقتضيات الجديدة والقانون الجنائي وترشيد معايير إقامة الأجانب في المغرب وخاصة تقنين المخالفات المرتبطة بالهجرة السرية وفي هذا السياق تم تجريم تهريب المهاجرين حيث أصبح مرتكبو هذه الأعمال معرضين لعقوبات سجنية تتراوح بين عشر سنوات والسجن المؤبد. كما يحمي هذا القانون حقوق الأجانب ما دامت طرق اللجوء إلي القضاء معروفة بشكل واضح. وعلي الصعيد المؤسساتي تم اتخاذ إجراءين قويين لتعزيز هذه الترسانة من القوانين ويتعلق الأمر بإنشاء مديرية لشئون الهجرة ومراقبة الحدود علي مستوي وزارة الداخلية ومرصد الهجرة. وقد مكن إنشاء مديرية الهجرة ومراقبة الحدود تتولي هذه المهمة تحديدا, باختصاصات ومجال عمل واضحين, من حشد أدوات التحليل وترشيد نشر وحدات للمراقبة. كما مكن من مراقبة نقط التسرب التي يلجأ إليها المهاجرون السريون علي طول الحدود. ويتيح إنشاء هذه الهيئة التوفر علي جهاز فعال للتدخل تساعد قدرته علي التحرك والانسجام علي التكيف مع الأساليب المتطورة لشبكات الهجرة. وتتجلي المهمة المناطة بهذه الهيئة في مستويين: مستوي للتحليل حول شبكات الهجرة السرية علي الصعيدين الوطني والدولي, ومستوي ثان يخص الدعم العملي لمراقبة الحدود. أما مرصد الهجرة فيكمن دوره في إشراك كل الأطراف المعنية في التفكير المتعدد الاختصاصات حول مسألة الهجرة وخاصة المجتمع المدني والباحثين. كما يقوم مقام بنك للمعلومات الإحصائية علي الصعيد الوطني. ويعد التعاون الدولي بطبيعة الحال أحد ركائز مكافحة الهجرة السرية, حيث تقوم مساعي المغرب علي مبدأ المسئولية المشتركة مع شركائه. وفي هذا الصدد يمثل تعاون المغرب مع كل من إسبانيا والاتحاد الأوروبي ونيجيريا نموذجا للشراكة بين الشمال والجنوب والجنوب جنوب. فبالنسبة للتعاون مع إسبانيا عقدت المجموعة الدائمة المشتركة المكلفة بالهجرة التي أحدثت في نوفمبر2003, مجموعة من اللقاءات والاجتماعات, كان من بين أهمها الاجتماع الذي عقد في15 سبتمبر2004 في قرطبة والذي مكن من تسجيل تقدم ملحوظ علي صعيد الاتفاقات وتفعيل الإجراءات المتبادلة. وهكذا انطلقت الدوريات المشتركة بين الدرك الملكي المغربي والحرس المدني الاسباني بين مدينة العيون ولاس بالماس في فبراير2004. كما تم القيام بدوريات مشتركة جوية وأرضية مكنت الأسبان من الوقوف علي الجهود التي تبذلها السلطات المغربية وتم توسيع هذه التجربة لتشمل منطقة المضيق,حيث تم القيام بأول دورية مشتركة في نوفمبر2004 وعين المغرب4 ضباط ارتباط بمدريد وجزر الكناري والجزيرة الخضراء لدي النظام الالكتروني الذي وضعه الجانب الاسباني لمراقبة مضيق جبل طارق. من جهة أخري تم القيام بخمس عمليات مشتركة مع السلطات النيجيرية مكنت من ترحيل حوالي1700 مواطن نيجيري جوا كانوا يوجدون في وضعية غير قانونية بالمغرب. وجرت عمليات الترحيل التي تعتمد علي العودة الطوعية في إطار احترام حقوق الإنسان وكرامة الأشخاص. ويتفاوض المغرب حاليا مع الاتحاد الأوروبي حول اتفاق إعادة القبول. كما أن الجانبين يوجدان علي وشك التوقيع علي اتفاقية لتمويل برنامج مخصص لمراقبة الحدود يندرج في إطار برنامج ميدا ويشتمل علي ميزانية تقدر بأربعين مليون أورو. ولايجب في هذا الإطار إغفال البعد السوسيواقتصادي حيث تبدو ضرورة عدم التركيز علي الجانب الأمني, وتفضيل المعالجة الاقتصادية لظاهرة الهجرة من خلال تثبيت المرشحين المحتملين للهجرة وقد نص اتفاق الشراكة المغربي الأوروبي علي وضع مجموعة عمل مكلفة بالشئون الاجتماعية والهجرة ويتمثل أحد أهدافها في بلورة مشاريع صغري في المناطق التي يحتمل أن تكون منطلقا للمهاجرين. كما تؤخذ التوعية والبعد الإعلامي بعين الاعتبار, ويكمن هدف الاستراتيجية المعتمدة في تحسيس المرشحين المحتملين من خلال وسائل إعلام مختلفة( ريبورتاجات, ووصلات تليفزيونية, والصحف وموائد مستديرة, وأفلام وثائقية..الخ)لتسليط الضوء علي مخاطر الهجرة السرية واحتمال استغلال المهاجرين من طرف شبكات التهريب إطلاعهم علي فرص الهجرة الشرعية كبديل.