ولكني أظن أنها أعماق روحنا, والطرف الآخر لهذا الرباط هو الطرف الآخر للحبل السري الذي ربطنا بالحياة وأمدنا الحياة وأعطي معني لهذه الحياة.ينقطع الحبل السري ليبدأ كل منا حياته في رحلة تبدو وكأنها مرحلة من مراحل الاستقلال والعيش المعتمد فيه علي النفس, يقل الاعتماد علي مصدر الحياة تدريجيا أو هكذا نظن نبدأ أولي خطواتنا المتعثرة دون وعي أو هو وعي ساكن فينا دون أن ندري تحول بيننا وبين تعثرنا, أو تساعدنا لننهض ونبدأ رحلتنا مرة أخري مستقلين معتمدين علي أنفسنا أو هكذا نظن وكل مرة في كل أزمة أو كل فرحة نندفع دون أن ندري لنبحث عن مصدر للحياة وكإننا نبحث عن مصدر للطاقة.. بل مصدر للحياة. ينقطع الحبل السري أو هكذا نظن ونتخطي مرحلة الفطام أو هكذا نظن ونعتمد علي أنفسنا في المأكل والحركة أو هكذا نظن ونبدأ علاقاتنا المستقلة التي نريد إن نؤكد بها أننا أصبحنا كبارا, أصبحنا مستقلين, ولكن نكتشف دون أن ندري أن كل حياتنا تعود لتدور حول ذلك المصدر, مصدر الحياة, لأننا دون أن ندري فإن حياتنا هي حياة مشتركة, بدأت منذ نطفة, وتظل مشتركة إلي نهاية المدي الذي لم أعرفه بعد, الشراكة منذ كانت نطفة, وتظل مشتركة إلي نهاية المدي الذي لم أعرفه بعد, الشراكة هنا هي شراكة لا نختارها لأنها حياة, علاقة أزلية بيننا وبين مصدر هذه الحياة لنا. ينقطع الحبل السري أو هكذا نظن ولا ينتهي اعتمادنا المادي والنفسي والمعنوي, نتلمس عناقا بعد غياب, أو صوتا راض, أو دعاء نظن أنه سوف يكون المخرج من كل الأزمات, والدعم لنا في مواجهة الحياة, نبحث عن الرضا حتي لو كنا نكابر أنفسنا أحيانا وندعي أننا كبرنا وفطمنا, وتباعد بيننا الأيام والمسافات ولكن يظل ذلك الرباط الذي لا نراه دائما ممتدا, رباطا لا نعرف تحديدا من أي نقطة يمسك بنا أظنها كل نقطة ولكنها تبدأ من أعماقنا, ليس أعماق الجسد, لكنها أعماق أخري لا أدري طبيعتها, ولكني أظن أنها أعماق روحنا, والطرف الآخر لهذا الرباط هو الطرف الآخر للحبل السري الذي ربطنا بالحياة وأمدنا الحياة وأعطي معني لهذه الحياة. جلست إلي جانب جثمانها مصدر حياتي طويلا, راقدة في هدوء, في سلام, ويمر أمامي شريط حياتي التي منحتني إياها, أحاول أن أستحضر أول صورة انطبعت في ذهني عنها, وأذكر فقط نظرتي إلي أعلي كثيرا وهي ممسكة بيدي نسير في الشارع, لا أذكر كم كان عمري لكني أذكر الحالة, تفاصيل كثيرة, مواقف كثيرة, أحداث كثيرة, عثرات, نجاحات, إحباطات, فرح, حزن, بعد, قرب, ليل, نهار, لأكتشف أنها كل تفاصيل الحياة, كانت فيها, حضرتها, عاشتها معي, دون أن أدري, أو كنت أدري, كانت دائما أينما كنت مهما كان البعد, ومهما كان الوقت, كانت هنا, بل كانت في قلب كل شيء في قلب الحياة. لم ينقطع الحبل السري, حتي عندما واراها الثري, ظل ذلك الإحساس بأن ذلك الرباط ما زال موجودا, قويا, بلا إنكار ولا ادعاء بأنني كبرت وصرت مستقلا, الرباط موجود, وكان موجودا دائما, واليوم عرفت أنه سوف يظل إلي الأبد. أكثر ما سوف أفتقده هو صوتها عندما كانت ترد علي مكالمتي الصباحية لها وهي تقول صباح الخير يا روح قلبي. رحمك الله يا أمي [email protected]