الجمهور.. يعرف.. يحس.. يقول إن هذا المشهد الذي أداه البطل والبطلة علي الشاشة ليس صادقا.. إنه من حيث الشكل مائة في المائة. أما داخليا فيوجد انفصال وجداني كبير بين البطلين.. لابد وأنهما في علاقتهما الشخصية علي خلاف أثناء تصوير هذا المشهد.. الجمهور يعرف.. يحس بالحقيقة وراء كل مشهد يراه علي الشاشة. إلي هذه الدرجة تظهر الأحاسيس الشخصية الدفينة التي تحدد علاقات الممثل بزملائه علي الشاشة دون أن يدري.. يلتقطها الجمهور.. ويحس بها.. يتحدث عنها.. مهما حاول الممثل إخفاء مشاعره الخاصة.. غريب أمر هذا الجمهور إنه فعلا المعلم الأول. المخرج الناجح يعرف تلك الحقيقة.. وكثيرا ما نجد المخرج يتحول مع أسرة الفيلم إلي أب أو أخ أو مصلح اجتماعي خفي.. يحاول جاهدا أن يذيب كل الخلافات والحساسيات التي تظهر أثناء العمل مع الممثلين.. فهو يكتشف هذا من خلال أداء الممثل أمام الكاميرا وأحيانا يعيد المشهد أكثر من10 مرات حتي يحصل علي ما يريد من صدق الأداء. وبعد محاولات منه أثناء الإعادة لفض الاشتباكات النفسية بين الممثلين. وأحيانا يلغي التصوير تماما حتي تهدأ النفوس.. وبواسطته يحاول بشتي الوسائل أن يجعل الممثلين في حالة صفاء تام نفسيا. حتي لو أدي الأمر إلي عمل جلسات صلح لمشاكل هو بعيد عنها تماما.. وهناك قاعدة يعرفها المخرجون وهي عندما يكون الممثل ليس في حالة عطاء علي المخرج أن يلغي التصوير حتي يكون الممثل جاهزا..! زمان كانت هذه القاعدة مطبقة بشكل واضح.. لذلك نجد الفرق واضحا جدا بين أفلام زمان وأفلام هذه الأيام.. من الناحية النفسية للممثل.. كل أفلام زمان. نجد كل الممثلين في حالة نفسية هادئة واضحة في اندماجهم وإبداعهم في الاداء.. أما أفلام هذه الأيام فنجد كثيرا من المشاهد ينقصها هذا الصفاء النفسي.. ويكتشفه الجمهور.. فطبيعة العصر الآن.. والسرعة المطلوبة لانتهاء الفيلم.. وانشغال الممثل في أكثر من عمل.. يفرض علي بعض المخرجين تنازلات بالنسبة للحالة النفسية للممثل وصفائه.. ويعتبرونها مسئولية الممثل شخصيا لأنه هو الذي سيواجه الجمهور!! صفق كل الفنيين في الاستوديو بعد أن انتهي الممثل البطل من أداء مشهده في آخر لقطة.. لكن المخرج يوسف شاهين.. طلب إعادة المشهد.. وسأله الممثل الذي هو أنا لماذا الإعادة؟! رد يوسف.. لقد أعطيني كل المطلوب منك فنيا.. ولكن لم تكن أنت الشخصية التي اسلمت له نفسي ليجري لي عملية القلب.. والتي نقدمها في فيلم حدوته مصرية وأنت تؤدي دور الدكتور العظيم مجدي يعقوب قدمتها بعبقرية يا سعيد في كل أجزاء لقطات المشهد السابقة ولكن في اللقطة الأخيرة التي في المشهد عيناك لم تكن نظراتهما وتعبيراتهما هي صاحبة الشخصية المطلوبة.. هربت من الشخصية!! قلت.. فعلا يا عبقري.. لم أكن جاهزا. نفسيا.. فأنا مرهق.. وأصور المشهد منذ الثامنة صباحا.. والآن الساعة الرابعة مساء. قال المخرج.. اذهب.. نم.. في حجرة الاستوديو كان استوديو جلال وعندما تستريح.. سنكون جاهزين للتصوير.. وانتظر المخرج ساعات نمت فيها حتي الثامنة مساء.. واسترحت.. ودخلت الإستوديو.. ودارت الكاميرا.. وبعد الانتهاء من تصوير اللقطة الأخيرة للمشهد صاح المخرج هو ده وعاد التصفيق والتهنئة بانتهاء دوري.. ونفس الجملة.. ونفس التصفيق رددها الجمهور عندما شاهد الفيلم.. أو عندما يشاهد فيلما فيه الممثلون في حالة نفسية صادقة!!