المخرج نجح في أن يجعل الجمهور يتفاعل مع بطل يعيش في زمن مختلف وأداء يعود إلى الأفلام الكلاسيكية مشهد من الفيلم نوعية جديدة من الأفلام يخوضها مارتن سكورسيزي هنا، أفلام الغموض والإثارة التي تجعل المتفرج في حالة تحفز دائم للصراخ والفزع دون سبب واضح، واستطاع سكورسيزي رغم خوض التجربة لأول مرة أن يدير هذه التجربة بمهارة واحتراف لم يقدر عليها من تخصصوا في الأساس في هذه النوعية من الأفلام، وكأنه بدون قصد يعلم الجميع كيفية تقديم هذه النوعية، فرغم الغموض الشديد وتشابك الأحداث التي تصيب المشاهد بنوع من الصدمة لأنه لا يجد حلاً أو مخرجًا من هذه التداخلات والتعقيدات التي تزيد مع كل مشهد، ليري أنه ليس هناك مخرج للبطل وحوله كل هؤلاء الأشرار، فإنه في النهاية عندما كشف سكورسيزي الغموض لم يكشفه بشكل عادي أو متوقع للمشاهد فظل حتي بعد ظهور التترات في حالة الصدمة والدهشة وكانه ينتظر شيئًا آخر فلا يستطيع التصديق أن الأشرار هم في الحقيقة الطيبون وكل ما حدث للبطل كان أمرًا خياليًا. الأحداث تدور في الخمسينيات حول مارشال فيدرالي «تيدي دانيالز» والذي يقوم بدوره «ليوناردو دي كابريو» حيث يبدأ الفيلم بذهابه علي متن العبارة إلي أخطر مصحة نفسية تقام علي جزيرة شاتر لأنها تحتوي علي مرضي في الأصل مجرمين ارتكبوا أشد وأفظع الجرائم، ليحقق في هروب إحدي النزيلات والتي قتلت أولادها الثلاثة، ورغم أن البداية لا تحتوي علي أي أمر مفزع فإن جو التصوير الذي اختاره سكورسيزي مع الموسيقي التصويرية التي تعد في حد ذاتها مرعبة يدخل المتفرج سريعا في حالة رعب لا يعرف سببها وتحفز دائم للهرب وتوتر دون أن يكون هناك أي مشهد مرعب أو مخيف في الفيلم، جو الفيلم يعود بشكل واضح إلي أفلام هيتشكوك في جو الإثارة والغموض ولكن سكورسيزي أضاف إليه لمسته وخبرته ليجعله ملائمًا لمشاهد هذه الألفية الذي لم يعد يشعر بالرعب أو الإثارة سوي برؤية الدم والأشكال المخيفة. البطل في الحقيقة يذهب إلي المصحة للبحث عن قاتل زوجته، بل إنه ذهب للكشف عن تجارب تقام علي المرضي النفسيين، لا لأنه يريد أن ينقذ زميله، إنه يرغب في مغادرة الجزيرة ولا يعلم كيف، ويخضع لمؤامرة ليصبح نزيلاً بالمصحة لأنه كشف سر العمليات التي تتورط بها جهات حكومية كبيرة، خطوط كثيرة يسير فيها البطل ويصطحب معه المشاهد في رحلة طويلة مليئة بالإثارة الحقيقية، ولكن قمة الإثارة هي في المشهد الأخير الذي يتم في الفنارة حيث يبحث البطل عن زميله الذي يعتقد أنهم أخذوه لعمل تجارب عليه، ليكتشف الجمهور أن المخرج عبث بعقله تماما طوال الأحداث ووجهه إلي مكان وظهرت الحقيقة من مكان مختلف تماما وغير متوقع، فمع محاولة طبيب المصحة إقناع البطل أنه مريض نفسي ولا يصدقة البطل وبالتالي المشاهد، وفي مشهد طويل ورائع يكتشف المشاهد الخدعة وهي أن البطل بالفعل مريض ولكنه منذ عامين يعالج بسبب قتله زوجته التي يحبها كثيرا ولكنه قتلها لأنها قتلت أولادهم الثلاثة في اكتئابها الذي لم يهتم به، الصدمة كانت أكبر من أن يستحملها عقل البطل ولكنه يهرب منها دائما في حكايات وشخصيات يعيشها من وحي خياله لأنه يري أنه «من الأفضل أن تموت رجلاً صالحًا علي أن تعيش وحشًا». استطاع سكورسيزي في «جزيرة شاتر» أن يجعل الجمهور يتفاعل بشكل كبير جدا مع بطل يعيش في زمن مختلف وأداء يعود إلي الأفلام الكلاسيكية وجو قد يعتقد البعض أنه كئيب نظرا للأركان المظلمة والكوابيس الدرامية التي يراها البطل، ولكنه في النهاية استطاع أن يتلاعب بعقل المشاهد لتكون كل الأحداث مفاجئة له وغير متوقعة ليعيش جو عدم التصديق مع البطل في مشهد النهاية وليكون الدكتور في المشهد وكأنه يقنع الجمهور بالتصديق وليس البطل، لدرجة أنه عند اكتشاف البطل الحقيقة يظل الجمهور يعتقد أنها مجرد خدعة من البطل للتغلب علي الأشرار، وكانت هذه هي الحقيقة المريحة والتي يريدها الجمهور ولكن متي كان دور المخرج هو إراحة الجمهور وتقديم النهاية السعيدة والمتوقعة له، مع العلم أن سكورسيزي هنا قدم بالفعل نهاية وليس كما يفعل البعض - ومنهم «ام شامالان»- الذين لا ينزعون الغموض عن عقل المشاهد حتي آخر لحظة اعتقادا منهم أن هذا هو الأنجح، ولكن مع هذا الفيلم سيعيدون تفكيرهم في النهاية الناجحة.