في خطبة الجمعة أمس بالحرم المكي الشريف, جاء تأكيد الشيخ عبدالرحمن السديس ضرورة التيسير علي حجاج بيت الله الحرام, وهو اتجاه ملحوظ من علماء الدين السعوديين الذين يستقبلون من خلال مراكز منتشرة في شوارع مكةالمكرمة, أسئلة متعددة حول المناسك. وهذا الاتجاه يأتي بسبب الازدحام الهائل الذي تشهده مواسم الحج في السنوات الأخيرة, وبات من المستحيل عمليا استمرار التمسك بما كان متبعا في الماضي, خاصة المبيت في مني, مع ضرورة الحرص علي عدم المساس بالقواعد الأساسية التي لا مفر منها حتي يكون الحج صحيحا, سواء في الوقوف بعرفات, والنفرة إلي المشعر الحرام ومزدلفة, وإتمام طواف الإفاضة, والسعي, ورمي الجمرات وغيرها من مناسك أداها الرسول الكريم صلي الله عليه وسلم. ولكن التيسير لم يعد يقتصر علي الحج بالنسبة للسعوديين, وإنما بات يمتد إلي شئون أخري تتعلق بحياة المسلم في عصر تختلف أدواته ومظاهره عما كان موجودا من قبل. وهناك حديث عن تنامي الاتجاه المعتدل البعيد عن التشدد, لكن من الخطأ الاعتقاد بالخروج عن السمات والملامح الأساسية للمجتمع السعودي لوجود الحرمين الشريفين, مما يفرض من وجهة نظر البعض الإبقاء علي الكثير من الأنماط الراهنة في السلوك, وإن كان ذلك لا يمنع من دعوات تعلو بين حين وآخر لإفساح المجال الكبير للاجتهاد ومواكبة أفضل للعصر. وعندما يدعو السديس العلماء إلي التيسير وعدم التشدد فإنها مرحلة مهمة, وملاحظة لها خصوصيتها, لأنها تأتي من أمام الحرم الشريف. واللافت أن تلك القضايا, وإن كانت مثارة بحرص في بعض المعالجات الإعلامية, إلا أنها في حقيقة الأمر لا تشغل بال الغالبية العظمي من السعوديين الذين يعتبرون أن خصوصية وجود الأماكن المقدسة تعني ضرورة الالتزام بتعاليم الدين الإسلامي أكثر من البلدان الإسلامية الأخري. ويذهب كبار السن من السعوديين إلي اعتبار أن ما يثار حول تلك القضايا مجرد محاولات للإثارة تعمل وسائل الإعلام الأجنبية علي تضخيمها وإعطائها حجما أكبر مما تستحق, وأن الهدف من وراء تلك الحملات هو اختراق بلد الحرمين الشريفين. أما الشباب السعودي فهو يتعامل مع أدوات العصر من تكنولوجيا متطورة, وله وجود ملموس علي مواقع الإنترنت, ويتابع أكثر من غيره تلك القضايا, لكنه مع الوقت يعطي لعمله ومحاولة تحسين دخله الأولوية, ومن ثم ينخرط في سلوك يطابق ما تربي عليه, ويقتدي بالكبار من حوله.