تفرض الاسطورة سطوتها علي احداث روية منامة الشيخ..ميراث الفتنة للكاتب ممدوح عبد الستار الصادرة عن سلسلة اصوات ادبية التي تصدر عن الهيئة العامة لقصور الثقافة. وتعد هذا الرواية هي الثالثة لعبد الستار بعد رواية السامري ومقامات التفرد والاحوال بالإضافة إلي ثلاث مجموعات قصصية هي ظلال الفتاة والفرس, مجموعة السمان يستريح في النهر وكان عبد الستار قد حصل علي عدد من الجوائز منها المركز الأول لجائزة سعاد الصباح في القصة القصيرة عام1988 والمركز الثاني فرع الرواية في نفس الجائزة عام1989 وجائزتا الثقافة الجماهيرية علي مستوي مصر في الرواية والقصة القصيرة عام1996 وجائزة مجلة دبي الثقافية عام2007/2006. وتدور رواية منامة الشيخ حول الهم الانساني بشكل خاص المطعم بأجواء خرافية, اذ تدور حول الصراع الدائم بين أب وابنه علي السلطة التي تركها الأب طواعية لابنه ثم مالبث أن انقلب عليه وتستمر الرواية في عرض تاريخ هذا الأب وتاريخ الابن أيضا, علي لسان عدة رواة اذ يتخلي الكاتب عن فكرة الصوت السردي الواحد. في حواره يوضح لنا الكاتب كيف لجأ لهذه التقنية ليترك للقارئ حرية استبيان مفردات الواقع وتأثيراتها علي الأب وعلي الابن, وكي يتوصل القارئ لحقيقة الاحداث بمفرده, وهذا نص الحوار. * ماذا قصدت بالعنوان الفرعي للرواية: ميراث الفتنة؟ **تاريخنا وميراثنا الشفهي منه, والكتابي نتوارثه من السابقين حتي لو كان هذا الميراث لا يتناسب مع معطيات هذا العصر, لذلك نجد هذا الميراث والتاريخ قابعا فينا لايتغير أبدا سواء بفعل الغياب الموجه, أو غير الموجه, وفي كثير من الأحيان نجد سلوك, وتفكير البشر تحكمه أيضا الجينات الوراثية. المشكلة ليست في هذا الميراث, المشكلة في فتنته. * تدور أحداث الرواية بقرية, لكن خصالها لاتشبه مانعرفه, فجعلتها مليئة بالعلاقات غير الشرعية, وعلاقات أسرية مضطربة, لماذا؟ ** القرية لها أسرارها الخاصة, ولها وجهان, وجه يعرفه الجميع, وذائع الصيت, ووجه مخفي لا يعرفه إلا القليل جدا والرواية تحاول أن تكشف هذا الوجه المخفي عن العين والإدراك, وأنا عشت زمن قريتين مختلفتين: قرية حقيقية قديمة جدا, وقرية مسخ,لا هي مدينة ولا هي قرية, وتوافد علي القرية أغراب سكنوا فيها, واختلط الحابل بالنابل, ومن ثم ظهرت هذه القرية التي لاتشبه أي قرية كانت ثم أن القرية مثلها مثل أي مكان آخر تحكمها مصالح وقوي, وعلاقات غير شرعية, لكن كل هذا في الخفاء, من يشاهد القرية يعجب بسكونها, لكنها في الواقع أكثر حركة من المدينة. * لم نر أساسا قويا للفكرة الرئيسية للرواية, وهي صراع الأب والابن؟ ** الصراع قائم بين الأب والابن من أول صفحة في الرواية, لدرجة أن الأب يفضح ابنه مع البائعة, ومن ثم تكون هجرة الابن إلي القاهرة, وهل يوجد صراع أقوي من هذا لكنني أود أن أدق: ناقوسي وأقول ان: الصراع النفسي أشد وطأة علي النفس, ويستمر طويلا وهذا ماحدث في الرواية. ** يظهر أن الأب والابن دائما علي خلاف, لكن الحقيقي عكس ذلك, هل تقصد بهذا هو الميراث؟ ** يقول المثل الشعبي( اكف القدرة علي فمها, تطلع البنت لأمها) وأيضا( العرق دساس) الأمثال الشعبية تبين لنا أنه يوجد تشابه كبير في تصرفات وسلوك الأسرة الواحدة. فعلا الأب والابن تصرفاتهما واحدة, وكما يقال دائما: تعددت الأسباب والموت واحد. ومن ثم ميراث السابقين نحمله مرغمين ولانستطيع الإفلات منه إلا من رحم ربي. * لماذا أصبحت الكتابة عن عوالم أسطورية مثل التي تغلف بعض أحداث الرواية ملجأ لكثير من الكتاب, هل تعطي الكاتب بعضا من الرحابة في استقبال أحداث الرواية اللامنطقية؟ ** أنا مولع بالأسطورة, والتأويل, وغالبية كتاباتي تغلفها الأسطورة التي أصنعها من واقع معاش أدركته بالفعل, وأتمني أن تصبح كتاباتي أساطير. والأسطورة تعيش لأنها تحتمل التأويل باستمرار, وتلبي حاجة الإنسان في كل زمان ومكان والقديم يصنع القداسة, ويصنع من الحكايات أساطير, والرحابة دائما تأتي من الفكرة وطريقة كتابتها, ثم أن الرواية لها منطقها الخاص, حتي لو كانت غير منطقية. * جعلت الحدث بالرواية يردد علي لسان أكثر من راو, وكل مرة بشكل مختلف, لماذا؟ ولماذا لم تخف من تشتيت القارئ؟ ** الرواية في الأساس قائمة علي بنية الرواة, وكل راو يحكي بطريقته ماحدث من وجهة نظره الشخصية, وهذا أعطاني فرصة كبيرة للملمة الحكايات الكثيرة المتناثرة في خيط واحد, مثل مسبحة ثم أن الحكاية حكاية دائرية, بمعني أن المتن يصبح هامشا والهامش يصبح متنا في الحكاية,وأريد أن أقول ان: الحكايات ملك الرواة يصوغونها بمزاجهم الشخصي, لكن الحدث ثابت مثلما حدث في موت الصاوي فالحدث الثابت هو: موت الصاوي لكن الاختلاف في طريقة موته فقط والقارئ ذكي بطبعه, ولماح وسوف يتعاطف مع رواية من روايات موت الصاوي مثلا لأنني أريده أن يختار مايناسبه. * يشعر القارئ بالملل في أجزاء كثيرة من الرواية مابين إسهاب في السرد أو فصول لم يكن لها دور كبير خلال الأحداث؟ ** الرواية في الأساس رواية جديدة, وتحتاج ذائقة جديدة, والجديد دائما نشعر معه بالحيرة, والملل في بعض الأحيان ولهذا يمكن أن يقول القاريء يكفي حكاية واحدة عن موت الصاوي مثلا والرواية ليس لها خط تصاعدي, وكما قلت إنها رواية دائرية, وهذا مايجعل القارئ غير المدرب لاينحاز إلي هذه النوعية من الكتابة, ولايوجد فصل في الرواية ليس له دور, حتي المشاهد الوصفية الطويلة لها دور في تبيان ماقبل, وما سيحدث في الرواية. * هناك الكثير من الاستعارات, والجماليات التي رآها البعض في غير موضعها, بما تفسر ذلك؟ **اللغة وجمالياتها هي أدوات الكاتب التي يصنع منها عالمه الروائي. والاعتراف بوجودها يثبت أن لي لغتي الخاصة التي تحسب لي, بداية من مجموعتي القصصية( السمان يستريح في النهر) حتي رواية( منامة الشيخ) والكلام أنها في غير موضعها يحتاج لدراسات نقدية تبين ذلك. * الكتابة عن القرية هل هي جزء أصيل من كتابتك لأنك كاتب ممن يطلقون عليهم كتاب الأقاليم؟ ** أنا أكتب عما أعرفه, وأعيشه, والمكان لايحتل مساحة كبيرة في أعمالي, وقد عشت في أماكن عديدة متنوعة في اللهجة والعادات والسلوك, وفي كثير من الأحيان تكتب الرواية أو القصة, ولا أكتبها كما في رواية( السامري), والإنسان في أي مكان هو ما يهمني التعبير عنه, والقاهرة رغم مافيها من مركزية فإنها من أقاليم مصر. * كيف يتعامل كتاب الأقاليم مع نظرة الوسط الثقافي لهم, وكيف تقيم هذه النظرة؟ ** الكاتب الجيد في أي مكان يفرض نفسه وفي أقاليم مصر كتاب جيدون, وأثبتوا حضورا قويا في المشهد الإبداعي والثقافي المصري والعربي, المشكلة في كتاب وشعراء في أقاليم مصر كلها, أن لديهم انطباعا خاطئا أنفسهم: أنهم كتاب درجة ثالثة, رغم أنني لا أعرف كتاب الدرجة الثانية( راحوا فين).