انتخابات مجلس الشعب القادمة في مصر يجب أن تكون مناسبة وخطوة أولي نحو استعادة ثقة المواطن في مؤسسات النظام السياسي وفي السياسيين وفي السياسة كلها. رغم الانفتاح السياسي الكبير الذي شهدته مصر خلال السنوات الماضية مازال المصريون في أغلبهم منصرفين عن السياسة, والأغلبية منهم إما أنهم يعتبرون السياسة نشاطا لا يمكن فهمه, أو أنهم لا يثقون في أهلها, أو لا يعتبرونها مهمة لحياتهم, وهي المشاعر التي يجب تغييرها وتجاوزها. الانتخابات البرلمانية هي أكبر موسم سياسي في حياة مصر السياسية, وفيها يتعرض المصريون لأكبر خبرة سياسية مرة كل خمس أعوام, وبقدر ما ننجح في إدارة الانتخابات بطريقة سليمة بقدر ما ننجح في استعادة ثقة المصريين في الانتخابات والنتائج ا لمترتبة عليها. الانتخابات النزيهة التي نتوقعها ليس فيها عنفا يمارسه مؤيدو مرشح ضد مؤيدي مرشح آخر, وليس فيها بلطجية مسلحون يروعون الناس يوم التصويت. في الانتخابات النزيهة التي نتوقعها لا يوجد رشاوي يدفعها المرشحون لشراء أصوات الناخبين. قد نتسامح مع المبالغة في الإنفاق علي الدعاية الانتخابية في ظل غياب نظام لضبط الإنفاق الانتخابي, وقد نتسامح مع' الرشاوي' الجماعية, حين يقوم المرشح بالتبرع لبناء منفعة عامة يستفيد منها أهل الدائرة بلا تمييز, سواء كانت هذه المنفعة مدرسة أو مستشفي أو طريق أو غيرها, لكن ما لا يمكن التسامح معه هو الرشاوي النقدية التي تذهب مباشرة من المرشح لناخبين بعينهم للفوز بصوتهم يوم الانتخابات. في الانتخابات النزيهة المتوقعة لن يتلاعب أحد بالصناديق وما فيها من أصوات, فالمرشحون جميعا هم مصريون مخلصون ترشحوا في حدود الشرعية والقانون, والقانون وحده هو الحكم والفيصل بينهم. التلاعب بالصناديق هو جزء أصيل من تقاليد الانتخابات المصرية, خاصة في الأرياف. سنحتاج لسنوات طويلة حتي يختفي التلاعب المحلي بصناديق الانتخاب, لكن الدولة بقانونها وأجهزتها تظل هي الضمانة الأكبر والأداة الأهم لمحاصرة التلاعب في الصناديق, وهذا ما هو متوقع منها في الانتخابات القادمة. الانتخابات القادمة ينتظر لها أن تكون نزيهة فوق العادة لأن أهل الحكم قبل غيرهم يدركون أن مصر دخلت مرحلة شرعية صندوق التصويت, بعد أن تجاوزت مراحل الشرعية الثورية وشرعية الإنجاز. فأمن مصر واستقرارها وتقدمها مرهونون جميعا بشرعية الحكم, ولا سبيل إلي شرعية الحكم إلا نزاهة صندوق الانتخابات