يعتبر المفكر الأمريكي لاري دايموند من أبرز خبراء ومحللي ما يسمي بالتحول الديمقراطي، سواء من خلال عمله كأستاذ في جامعة ستافورد أو كتاباته، كما سبق له أن عمل مستشارا للسلطة الائتلافية في العراق بعد الغزو الأمريكي. وفيما كان يزور القاهرة لإلقاء محاضرة بالجامعة الأمريكية التقته "العالم اليوم الأسبوعي" في حوار حول الاقتصاد والتحول الديمقراطي، أكد فيه أن أزمة الغذاء تمثل أكبر خطر علي الاستقرار السياسي في مصر، ودعا إلي حوار سياسي يتم من خلاله التوصل إلي حلول مبتكرة للوضع السياسي الحالي وقال: لا تخدعوا أنفسكم لأنه برغم الانفتاح الاقتصادي الموجود فلن يتم أي إصلاح اقتصادي بدون الديمقراطية، كما أبدي دهشته من استبعاد القوي المعتدلة من أي منافسة انتخابية وقصر المنافسة علي الحزب الوطني الحاكم و"الإخوان". نتفق مع آرائه أو نختلف.. ولكن تبقي الأهمية لهذه النظرة للحالة المصرية من الخارج.. وإليكم الحوار. * سؤالنا الأول والرئيسي.. ما تقييمك للوضع السياسي في مصر؟ ** الوضع السياسي في مصر متأزم فإذا نظرنا إلي مصر سنجد أنه قد بدا الأمر في عام 2005 وكأن هناك تقدما كبيرا سيحدث في مجال الإصلاح السياسي ولم يكن هناك من يتوقع أن يعاد انتخاب الرئيس مبارك وظهر النظام آنذاك متسامحا مع المعارضة ولكن الوضع تغير بعد ذلك، والآن هناك ارتفاع في أسعار الغذاء والوقود هذا الأمر سيجعل السنوات القادمة صعبة علي الأنظمة الحاكمة في العالم كله إذا لم تدعم هذه الأنظمة المؤسسات الشرعية والاستقرار السياسي.. والأمر المحبط أن نري تحركات الإصلاح السياسي معطلة في مصر، وإذا نظرت إلي التحديات بعيدة المدي التي تضمن الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي وخاصة المتعلقة بالشباب كتوفير الوظائف وخدمات التعليم والصحة فهي تحتاج إلي نمو اقتصادي مستدام بخلاف الكثير من الإصلاحات المطلوبة في المجال الاقتصادي والاجتماعي. * هل تري أن الحكومة قادرة علي تنفيذ هذه الإصلاحات؟ ** لا، فالوضع الحالي مستمر منذ عقود ولم يتحقق ذلك.. فهذه الاصلاحات تتطلب مناخا من الحرية السياسية، والتحرك في مسار يضمن أن تكون هناك انتخابات حرة ولو علي المدي الطويل وليس غدا. * ولكن هناك من يري أنه لا علاقة بين الاصلاح السياسي والاقتصادي؟ ** من الصعب الفصل بينهما.. خاصة أن هناك شعوراً في المجتمع المصري بأن الفساد كبير جدا ومن الصعب علي أي نظام يكبح من الفساد من دون أن يكون هناك حرية صحافة ومؤسسات حرة فهناك حاجة حقيقية للانفتاح السياسي. * ولكن الحكومة تدلل علي نجاحها بالمؤشرات الدولية التي تعبر عن نجاحها الاقتصادي؟ ** هناك انفتاح اقتصادي في مصر لا يمكن انكاره ولكن وفقا للمعلومات التي نراها في بيانات عدة ترصد الواقع في مصر نري أن هناك غياباً للحكم الرشيد وحاجة كبيرة للإصلاح السياسي. التقييم * ما تقييمك للتحول الديمقراطي في مصر بصفة عامة؟ ** لا يوجد تحول ديمقراطي في مصر؟ * وما أدلتك علي ذلك؟ ** شواهد عدة منها أيمن نور المنافس للرئيس مبارك في الانتخابات الرئاسية الماضية الذي مازال في السجن والاخوان المسلمون يحاكمون في محاكم عسكرية وغيرها من الشواهد. * ولكن هناك من يري أن التحول الديموقراطي يجب أن يتم علي مراحل وأن مصر وفقا لهذا المنظور قد تحركت خطوة للإمام؟ ** لقد كان هناك مجموعة خطوات واعدة اتخذت لتحقيق الديمقراطية في مصر 2005 ولكنها تبددت من خلال موجة القمع السياسي التي تلتها والاسلوب الذي تم به تعديل الدستور المصري فالواقع أن مصر عادت لنفس المربع. * ولكن الديمقراطية مكنت الاخوان المسلمين من الفوز ب88 مقعدا في مجلس الشعب.. وهو الفصيل الذي ينتقده الأمريكيون دائما واصفين اياه بأنه لا يؤمن بالديمقراطية؟ ** للمصريين الحق في أن يقرروا ما إذا كان الاخوان يصلحون للاندماج في العملية الديمقراطية أم لا ولكن بالتأكيد عندما تمنع تسجيل الاحزاب ولا تعطيها حق الاعتراف بها كحزب رسمي وعندما تمنع القوي السياسية ذات التوجهات المعتدلة من المشاركة في العملية السياسية وفي نفس الوقت تسمح للأخوان بالمشاركة كمستقلين وباعداد ضخمة في العملية السياسية.. أنت بذلك جعلت الاختيار محصوراً بين الحزب الوطني والاخوان والناس بالطبع تختار المعارضة، في حين أن المطلوب هو سماح النظام للأحزاب المختلفة أن تسجل نفسها وتدخل في المنافسة السياسية خاصة الاحزاب المعتدلة كحزب الوسط الذي يسعي إلي أن يسجل نفسه منذ سنوات مع تطوير مناخ الحرية السياسية وحرية المؤسسات وحرية الاعلام سيتحسن الوضع. قبل الانفجار * هل تعتقد أن الوضع في مصر من الممكن أن ينفجر؟ ** اعتقد أن هناك توترا تراه في الشارع وتشعر به من كلام الناس وعندما يزداد الشعور بعدم الارتياح فإن الاستقرار الحالي قد لا يكون مستداما ليس فقط بسبب غضب الناس ولكن هناك ضغوطا اقتصادية واجتماعية كما قلت سابقا بسبب ارتفاع أسعار الغذاء والطاقة عالميا وهي ضغوط فوق طاقة النظام في مصر ولا يستطيع السيطرة عليها وهذا يتطلب حوارا سياسيا حريصا ومحاولة لابتكار حلول للوضع السياسي الراهن. * ما الاصلاحات المطلوبة بالتحديد لتهدئة الوضع في مصر؟ ** النظام في حاجة إلي أن يبدأ في الكلام بشكل مفتوح مع المعارضة السياسية ويفكر يضع خطة حقيقية للتحول الديمقراطي حتي لو نفذت علي مدي وقت طويل 10 أو 20 سنة. * كنت مستشارا للحكومة الائتلافية في العراق لماذا فشل التحول الديمقراطي في العراق في جلب السلام للبلاد؟ ** هذا سؤال معقد ولكن سأحاول أن أجيب عنه في نقاط محددة أولا لا تستطيع أن تغزو بلدا بعد سنوات طويلة من الحكم الشمولي وتتوقع أن عملية التحول الديمقراطي ستحدث في وقت قصير كما لم يكن هناك تصميم جيد للمؤسسات السياسية لقيادة التغييرات في العراق والآن هناك أحزاب من الشيعة والاكراد حصدت الكثير من المكاسب من خلال الدستور وسلطة سياسية وهي الآن لا تريد أن تقوم بالتسوية لاعطاء جزء من هذه المكاسب لبعض الفئات كالعرب السنة علي الرغم من أن التسوية مع العرب السنة هي ابرز الملفات التي تضمن استقرار العراق. * إذاً فانت تري أن العراق ليس نموذجا مثاليا للمنطقة للتحول الديمقراطي؟ ** بالطبع فما تحتاجه المنطقة هو تحول ديمقراطي يتم من خلال النقاش المجتمعي والوصول لاتفاق ديموقراطي وفي نفس الوقت يتم ضمان الحرية للمجتمع المدني والاعلام وصياغة خطط مستقبلية للتحول الديمقراطي.