من أهم ما يميز جماعة الإخوان المسلمين المحظورة بحكم الدستور و القانون و يميز أنصارها قدرتهم علي تحديد اعدائهم و ليس خصومهم و التعامل معهم بصرامة شديدة في الباطن و نعومة شديدة في الظاهر وهو تعبير عن مبدأ و منهج سيطر علي الجماعة منذ تأسيسها ورسخه في فكر الإخوان و ثقافتهم مؤسسها حسن البنا, ليضع اساس خداع المجتمع و إظهار ما لا تبطنه الجماعة من أهداف ومساع للسيطرة. و لعل ما يؤكد ذلك, البرنامج الذي أعلنته الجماعة لمرشحيها في الانتخابات المقبلة, و تضمن بندا واضحا بالدعوة لإلغاء المادة الخامسة من الدستور, والتي تنص علي حظر ممارسة نشاط سياسي أو تأسيس أحزاب علي أسس دينية, و هم بذلك يؤكدون ما نذهب له جميعا من أن هذه المادة تحظر لزاما شعار الإسلام هو الحل, وتمنع انصاره من الترشح في الانتخابات العامة. المادة الخامسة لا تقف عند هذه الحدود, وهدف الجماعة من الغائها يتجاوز ذلك إلي أهداف أكثر إستراتيجية, ترتبط بتمسك الجماعة و إصرارها علي الخلط بين الديني و السياسي في نشاطها العام بعيدا عن الانتخابات, وتأكيد إنكارها الدستور و القانون المانع لتأسيس جماعات أو أحزاب علي أسس دينية, وهو واحد من الأسباب التي تمنع الجماعة المحظورة من الخضوع للقانون و التقدم لتأسيس حزب سياسي. فالدين و السياسة عند الجماعة لا فارق بينهما, والدولة عندهم الوجه الآخر للدين, ومن ثم فلا آخر غير الإسلام في مجتمع' الإخوان', ولا مرجعية في دولتهم سوي تفسيرهم للدين الإسلامي و مبادئه و ليس تفسير جماعة المسلمين, كونهم هم وحدهم جماعة المسلمين و الخارج عنهم ليس بمسلم, من هنا فلا توصيف لدولتهم سوي أنها دولة دينية تعادي كل مفاهيم المدنية و المجتمع المدني. تفهم الجماعة المحظورة دستوريا و قانونيا أبعاد المادة الخامسة التي لا تقف عند حدود الإنتخابات بل تتجاوزه لأبعد من ذلك, إذا ما إلتزمت الدولة المصرية بكل مؤسساتها و المجتمع بكل مثقفيها و وسائل إعلامه بالتعامل مع الجماعة في إطار الدستور, بعيدا عن مواسم الإنتخابات, إذ ستتحول الجماعة إلي منظمة دينية معزولة من المجتمع في حياتنا اليومية, و لن تجد من يعبر عنها أو ينقل شعاراتها الزائفة علي الرأي العام. المشكلة التي تعاني منها المادة الخامسة أنها لا تجد من يناصرها بعد إقرارها جزءا من مرجعية المجتمع القانونية, فمازال البعض حتي الأن يسعي لتفسيرات ملتوية غير مفهومة لمبدأ واضح وضوح الشمس, محاولا إجهاض واحدة من أهم المواد الدستورية التي تحمي المجتمع من خطر إختطافه لصالح جماعة دينية علي غير رغبة المصريين, و لا يعتد هنا بمقولة إذا ما صوت لهم الناخبون فهم يستحقون, فالعبرة ليست بالشكل الديمقراطي, و إنما بالمضمون الذي يستهدف إقصاء الديمقراطية من المجتمع. ومن الخطأ القول بأن المادة الخامسة لا تجد آليات تطبيقها, و الصحيح أن المادة الخامسة لم تجد حتي الآن من يعقد العزم علي تطبيقها, سواء من أنصار المجتمع المدني المنقسمين المشتتين, أو من الحكومة العاجزة عن تقديم تفسيرات قانونية و دستورية صحيحة للقضاء, أو من مؤسسات الدولة الصامتة علي أدلة تنضح بما فيها من مخالفات للدستور. قد يكذب البعض أمام القضاء و يتنكر للشعار و يتهم أخرين بنسبه له في الإنتخابات, وهو ما حدث من البعض أمام القضاء من قبل, و قد ينكره البعض الآخر إستنادا إلي مبدأ التقية الراسخ في ثقافة و فكر' الإخوان', لكن أحدا لا يستطيع إنكار ما تبثه الجماعة المحظورة عبر الإنترنت و علي مواقعها المتعددة و المنتشر مقارها في طول البلاد و عرضها بكل محافظات مصر, وتؤكد جميعها إصرار الجماعة علي مخالفة الدستور و القانون, و عدم الخشية منهما, بل ولإصرار علي تطبيق قانون الجماعة الخاص بها من الترويج لشعاراتها الدينية. لا مجال هنا للحديث التفصيلي عن دينية شعار' الإسلام هو الحل', فقد سبق ذلك في عدد الأحد الماضي, بل أن العديد من الأقلام تناولت ما يؤكد دينية الشعار, بل ووجود نصوص في قانون مجلس الشعب تنص علي عقوبة الشطب من الإنتخابات لكل من يرفع شعارا دينيا في الإنتخابات, علي مرجعية الدستور. القضية الأساسية أن الجماعة تسعي إلي تديين المجتمع, وتتحرك وفقا لسياسة الخطوة خطوة في هذا الاتجاه, وهي تعادي الدستور و تخرق مواده يوميا بل وفي كل لحظة, دون مواجهة جذرية قانونية و سياسية و فكرية حقيقية أمام المجتمع, و هي الجماعة- تخوض الأن معركة جديدة عنوانها إلغاء المادة الخامسة من الدستور. و الواضح أن إختيار الجماعة المحظورة دستوريا و قانونيا للمادة الخامسة من الدستور علي وجه التحديد و المطالبة بإلغائها دون غيرها من نصوص الدستور, يعني أنها العائق الأساسي أمامها, و أن الجماعة لا تكترث بتأكيد أو تطوير النصوص المتعلقة بالحريات, او تلك المتصلة بالحقوق الإجتماعية و الإقتصادية, أو المرتبطة بالنظام السياسي للدولة, قدر ما تركز علي إزالة أهم عائق من طريق مخططها الإستراتيجي للانقلاب علي المجتمع و تحويله إلي مؤسسة دينية إخوانية, و ليست دينية إسلامية. حديث الجماعة في برنامجها الإنتخابي عن الغاء المادة الخامسة أكبر دليل يدحض أحاديث البعض عن كونه شعارا سياسيا, و يؤكد أنهم يعلمون جيدا و يتحركون شعبيا بشعارا دينيا هو السند الرئيسي لديهم في حشد جمهور المسلمين ضد غير المسلمين, بل و في حشد أنصار الجماعة ضد المسلمين من غير أنصارهم, فهم بذلك يؤكدون ممارستهم تمييزا دينيا عميقا في المجتمع, و يتبنون فكر اضطهادي إقصائي ضد معارضيهم من المسلمين لو كانت' الجماعة' تؤمن بأن شعارها' الإسلام هو الحل' شعارا سياسيا, و أن المادة الخامسة لا تنطبق عليه لما منحته هذه المكانة في برنامجها الانتخابي و السياسي, و اختصته دون غيره بالإلغاء, و الترويج الشعبي ضد هذه المادة بغرض الإساءة لها و محاولة إرهاب من يطالبون الإلتزام بالدستور و القانون. لا سبيل سوي المواجهة القضائية الجادة مع مناهضي و أعداء الدستور, و خوض غمار مواجهة مجتمعية حقيقية متواصلة ضد أهدافهم في تأسيس دولة دينية تسمي دولة'أنصار الإخوان المسلمين'. [email protected]