أحمد فوزي صالح هذا المخرج الذي سبق و أن كتبنا عنه في مقال سابق يحمل عنوانه سينما أبناء مصر و تعرضنا لأعماله التسجيلية التي اشترك فيها و هو طالب في معهد السينما أحدهم كتب له السيناريو وأخرجه زميله إبراهيم عبلة و حصل علي جائزة الديجيتال في مهرجان الإسكندرية السينمائي), وقد رأينا حينئذ أن هذا الشاب واعد في مجال السينما التسجيلية و ذو رؤية ثاقبة تجاه الواقع المصري و يملك أدوات فنية لإظهار حقائق الواقع التي قد لا تبدو واضحة للعيان. ولكم سعدت عند فوز فيلمه الأخير جلد حي والذي يتحدث عن الأطفال العاملين في مدابغ عين الصيرة في قلب القاهرة القديمة بجائزة خاصة في مهرجان أبو ظبي السينمائي وشاهدته علي شاشة التليفزيون بجسده النحيل يرفع الجائزة التي سلمها له النجم خالد أبو النجا في حفل توزيع الجوائز فبدا لي عملاقا في واقع يسيطر عليه الأقزام. بالرغم من سعادتي الشديدة بفوز فوزي و جلده الحي بقدر حزني الشديد علي الخيال الميت أو موت الخيال الذي يسيطر علي السينما في مصرنا العزيزة.... أنا لا أقصد هنا عالم السينما التجارية و أباطرتها من وحوش السوق الساكنين غرفة صناعة السينما, فهؤلاء لا يملكون أي خيال ولايحتاجون إليه( بالرغم من أنه ليس هناك سينما فعلية بلا خيال أو حتي حلم), لأن شعار هؤلاء ليس سوي الفلوس و المزيد من الفلوس, أيا كانت الوسائل, صناعة أفلام مسروقة من نظيرتها الأجنبية, تقديم التفاهة والسخف معلب في علب شرائط سينمائية, أو حتي احتكار السوق( أقصد شبهة الاحتكار حيث أن التحقيقات تتم الآن في شكوي الاحتكار المقدمة) لينتجوا و يوزعوا و يملكوا دور العرض و يمنحوا و يمنعوا. هؤلاء مفروغ أمرهم فهم يعرفون ما هي التركيبات السينمائية التي تصنع الإيرادات و ما هو المزاج العام لجمهور- تم تخريب وعيه الجمعي مع مسلسلات زهرة و أمثالها, و انحطاط ذوقه مع برامج التليفزيون الحوارية و معارك مقدمي البرامج الرياضية, التي يعاقب علي بعضها القانون- ولسان حالهم إذا كانت بضاعتنا فاسدة فلماذا يقدم عليها الجمهور ؟ وأن كان هذا هو لسان حال الكثير من تجار الصنف وسماسرة الممنوع. هؤلاء ليسوا المعنيين و لا أمل في توجيه الكلام لهم, ولا يهمهم و لن يهمهم يوما الواقع وتسجيل ما يحدث فيه ولا الخيال و لا الابدع كلمة في قاموسهم. لكن المقصودين بموت الخيال هم المتصرفين في أموالك وأموالي من مسئولي الدولة القائمين علي إنتاج سينما مختلفة عن تلك التي يقدمها أباطرة غرفة صناعة السينما... المقصود هو وزارة الثقافة و أجهزتها المعنية التي تنفق أموال دافعي الضرائب و إيرادات أثار مصر ومتاحفها, والتي هي ليست ملكا لأفراد الشعب من هذا الجيل, بل هي ملكا لكل أفراد الشعب من هذا الجيل والأجيال القادمة, وبالتالي يجب أن تنفق فيما يفيد هذا الجيل ويبقي للأجيال القادمة لتتعلم منه وتنتج بدورها منتج إبداعي يرقي بثقافة هذا البلد الذي بدأ قبل الجميع, ولكنه أكتفي بهذا, ليكرره البعض علي أسمعنا طوال الوقت معتقدا أن هذا سيمنعنا من اكتشاف التراجع الكبير. قرر السيد وزير الثقافة مشكورا رصد العديد من الأموال لتمويل السينما من جديد, بل وقامت الوزارة بإنتاج فيلم ضخم يحمل أسم المسافر علي أمل أن يسافر ويحقق لها دعاية في المهرجانات الكبري, وسافر الفيلم وكانت النتائج معروفة. مع هبة الوزارة لإعادة الدخول في عالم السينما قررت دعم سينما الديجيتال من أجل أن يقدم السينمائيون الشبان أفلاما تسجيلية وروائية قصيرة وفي دهشة من الجميع قررت الوزارة تعيين صحفية علي رأس لجنة دعم سينما الديجيتال من تسجيلية وروائية قصيرة, ولم يعترض احد ولا حتي أفراد لجنة السينما في المركز الأعلي للثقافة التي يعلم جميع أفرادها أن علاقة رئيسة اللجنة مع السينما لا تتعدي كونها تحمل أرقام تليفونات النجوم حيث أن لها باعا كبيرا مع أخبار النجوم. أليس هذا هو قتل للخيال قبل أن يولد كيف يمكن تلد من كانت عاقر( المقصود اللجنة بالطبع) حيث ترأستها من كانت غير ذات أهلية ويأتمر بأمرها رعيل من صناع الأفلام قبلوا أساسا أن يكونوا في لجنة بهذا التكوين, وطولبوا بتحكيم طالبات صناع الأفلام الديجيتال وهم لم يصنعوا فيلما واحدا ديجيتال في حياتهم. طبعا كانت النتيجة مشابهة لتجربة المسافر ولم تر العديد من الأفلام النور ولم تنفق الأموال المرصودة و ما خرج منها للنور أكدت أنهم فعلا يقتلون الخيال, و جاء جلد حي ليثبت أن الخيال الحي هو من يصنع سينما جيدة و ليست الأموال فقط, وبالذات أموال قتلة الخيال. [email protected]