البعض من علماء الدين في المملكة السعودية يطالبون بإزالة عدد من الآثار الإسلامية التاريخية الموجودة علي أرض المملكة. الآثار المستهدفة إزالتها تنتمي إلي العصر الإسلامي الأول, وبالذات إلي فترة حياة النبي محمد عليه الصلاة والسلام. قائمة الآثار المطلوب إزالتها طويلة وتشمل الشاهد الموجود فوق جبل الرحمة عند الموقف الذي ألقي فيه الرسول خطبة الوداع, و موقع مولد النبي الذي تقع فوقه حاليا مكتبة مكةالمكرمة جوار البيت الحرام, وموقع قبر والدة النبي السيدة آمنة بنت وهب. طبعا هناك مواقع لا يمكن إزالتها, لكن السادة من العلماء المتشددين لم يعدموا وسيلة لإخفاء معالمها وإبعاد العامة عنها. فهم يقترحون إقامة أسوار حول جبل الثور وجبل الرحمة وجبل النور, كما يطالبون بتغيير اسم مقبرة أمنا حواء الموجودة في مكة منذ أكثر من ثلاثة آلاف عام, ويطالبون كذلك بمنع الدخول إلي مقبرة المعلاء المدفون فيها عدد من كبار الصحابة, وبإغلاق مسجد البيعة الذي يعتقد أن النبي الكريم بايع الأنصار فيه. حجة العلماء المدعومين من هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هي أن وجود هذه الآثار يسمح بممارسات فيها شبهة الشرك بالله, حيث يلجأ البعض, خاصة من الحجاج, إلي التبرك بها. الحمد لله أن المتشددين لا يستطيعون الاقتراب من بعض المعالم الأساسية رغم تبرك الناس بها. الكعبة الشريفة التي يحب الحجاج التمسح بأستارها وتقبيل حجرها الأسود نجت من تشدد العلماء لأسباب واضحة. المفهوم الغريب الذي يروج له هؤلاء العلماء للإسلام هو مفهوم دين محفوظ علي صفحات الكتب, لكنه دين بلا تاريخ شاهد وحاضر تدل عليه الآثار والمواقع, رغم ما في المواقع والآثار من قدرة عجيبة علي الإلهام وتعميق الإيمان في النفوس. الوجه الآخر لصورة الإسلام التي يقدمها هؤلاء هي صورة الدين الهش الذي يهدد نقاءه آثار أهله الأولين أنفسهم, وليس فقط المؤثرات الدخيلة عليه من خارجه. ما لا يلاحظه هؤلاء هو أن الإسلام بقي وانتشر بين الملايين في وجود هذه الآثار, وأن كل ذلك قد حدث قبل ظهور وتمكين مذهبهم المتشدد في القرون الثلاثة الأخيرة. الأهم من ذلك هو أن هذه الآثار هي ملك لكل المسلمين, بل وللبشرية كلها, فالإسلام جزء لا يتجزأ من الحضارة البشرية المتعددة الأوجه والمصادر, وآثاره ليست ملكا لدولة, ولكنها أمانة عليها أن تحفظها للمسلمين وللبشرية جمعاء.