لم أفهم أبدا لماذا جري ما جري من أحداث في استاد القاهرة يوم مباراة النادي الأهلي المصري ونادي الترجي التونسي. كانت المباراة تسير في نعومة وكان استقبال الأشقاء قد جري بحفاوة شديدة وبدا أن الجميع قد تعلموا من أحداث المواجهات المصرية الجزائرية سواء علي صعيد الأندية أو الفرق القومية. ورغم أن الجزائر استمرت في عقاب الشركات المصرية, فإن أحدا لم يكن مستعدا لتوسيع رقعة الشقاق بين القاهرةوتونس هي الأخري. ومع ذلك فإن المشاهد التي ظهرت فجأة علي شاشة التليفزيون لم تكن مفهومة, فلم يكن المصريون في بلادهم هم الذين يضربون, بل كان التونسيون يضربون المصريين ورجال الأمن منهم بضراوة بالغة ضد منطق كل الأشياء والأوضاع. وعلي أي الأحوال تتسم المواجهات الكروية التي تجري بين أندية ومنتخبات دول شمال أفريقيا بحساسية وندية خاصة, تؤدي في بعض الأحيان إلي وقوع اعتداءات وأعمال عنف تسبقها عادة درجة كبيرة من التوتر والخوف من حدوث ما لا يحمد عقباه وكأنه علي لسان الجميع ذلك الدعاء الذي يقول: اللهم لا أسألك رد القضاء ولكن أسألك اللطف فيه. وكان ذلك هو ما حدث في اللقاء الذي جمع بين الأهلي والترجي في الدور قبل النهائي ببطولة دوري أبطال أفريقيا والذي جري علي استاد القاهرة يوم3 أكتوبر2010, حين جرت أحداث شغب من جانب بعض جماهير النادي التونسي, حيث تم الاعتداء علي بعض رجال الشرطة والمطافئ, وهو ما أدي إلي إصابة7 ضباط وشرطيين ومجند فضلا عن إحداث تلفيات وصلت حسب بعض التقديرات إلي250 ألف جنيه. اعتداءات جماهير نادي الترجي التونسي كانت المحطة الأخيرة في أعمال العنف التي تشهدها المواجهات الكروية التي تجري بين أندية ومنتخبات من دول شمال أفريقيا. فقبل مباراة النادي الأهلي المصري مع نادي شبيبة القبائل الجزائري في البطولة نفسها التي جرت بالجزائر في15 أغسطس2010, تعرضت حافلة الفريق المصري لاعتداء خلال توجهها لأداء المران, وهو ما تكرر مرة أخري بعد المباراة. وخلال مباراة الأهلي المصري مع نادي الاتحاد الليبي التي جرت بملعب11 يونيو في طرابلس, في23 أبريل2010, تعرض لاعب بالنادي الأهلي لإصابة بقطع في الرأس نتيجة إلقاء بعض البكرات الورقية المربوطة بآلات حادة. وبالطبع تبقي أحداث المباراة الفاصلة لتحديد المتأهل إلي كأس العالم بجنوب أفريقيا2010, التي جرت بين منتخبي مصر والجزائر في مدينة أم درمان بالسودان في18 نوفمبر2009, هي الأكثر عنفا وإثارة, خصوصا أنها أنتجت تداعيات سلبية علي العلاقات بين البلدين. فعقب انتهاء المباراة بفوز المنتخب الجزائري علي نظيره المصري بهدف واحد للاشيء وتأهله لكأس العالم, اعتدت الجماهير الجزائرية علي نظيرتها المصرية, وهو ما أدي إلي قيام مصر باستدعاء سفيرها لدي الجزائر للتشاور, وتعرض بعض المصالح المصرية لمشكلات مع السلطات الجزائرية. هذا الاعتداء بالتحديد أعاد إلي الأذهان مرة أخري ثلاثة حوادث عنف وقعت في الماضي: الأول, في القاهرة, في17 نوفمبر1989, فبعد فوز المنتخب المصري علي نظيره الجزائري بهدف للاشيء وتأهله إلي كأس العالم بإيطاليا1990, قام أحد لاعبي المنتخب الجزائري بالاعتداء علي طبيب مصري ما أدي إلي فقدانه إحدي عينيه, وعلي خلفية ذلك أصدر الإنتربول أمرا قضائيا بالقبض علي اللاعب الجزائري, لتنفيذ حكم قضائي مصري بالسجن, وهو ما حال دون مغادرة اللاعب الأراضي الجزائرية منذ عام1989, إلي أن تمت تسوية القضية عام2009, عقب تنازل الطبيب المصري عن دعوته القضائية. والثاني, في استاد19 مايو بمدينة عنابةالجزائرية في21 يوليو2001, عندما وقعت أحداث شغب من جانب بعض الجماهير الجزائرية خلال مباراة مصر والجزائر في تصفيات كأس العالم بكوريا واليابان2002, أدت إلي توقف المباراة لأكثر من13 دقيقة. والثالث, في استاد الوحدة المغاربية بولاية بجاية, الذي احتضن لقاء النادي المصري البورسعيدي ونادي شبيبة بجايةالجزائري, في إياب الدور نصف النهائي لبطولة شمال أفريقيا للأندية أبطال الكئوس في26 ديسمبر2008, حيث وقعت أحداث شغب أدت إلي توقف المباراة أكثر من مرة. ثمة اتجاهات عديدة تفسر أسباب انتشار ظاهرة العنف في المواجهات الكروية بين فرق شمال أفريقيا: الاتجاه الأول, يرجع ذلك إلي حالة التفوق التي تتميز بها هذه الأندية والمنتخبات علي نظيرتها العربية والأفريقية الأخري. إذ تبدو مسيطرة علي معظم البطولات التي تشارك فيها. فعلي سبيل المثال في بطولة كأس الأمم الأفريقية التي بدأت في عام1957, فازت منتخبات شمال أفريقيا ب10 بطولات من إجمالي27 بطولة جرت حتي الآن, بما يشكل حوالي37%. وإذا أضفنا إليها بطولة حققتها السودان تصبح نسبة حصول المنتخبات العربية الأفريقية علي بطولة كأس الأمم الأفريقية40.7%. وعلي المستوي العربي أيضا, تميل الكفة لصالح أندية شمال أفريقيا. ففي بطولة دوري أبطال العرب التي انطلقت بثوبها الجديد عام2004, حازت أندية شمال أفريقيا علي5 بطولات من إجمالي6 جرت حتي عام2009, بما يشكل حوالي83%. واللافت أن كل المباريات النهائية في هذه البطولة منذ عام2004 شهدت مشاركة فريق واحد علي الأقل من شمال أفريقيا. بل إن أربعا منها شهدت مشاركة فريقين من شمال أفريقيا. معني ذلك أن طموح وتطلع فرق شمال أفريقيا للمنافسة علي الزعامة الكروية سواء علي المستوي العربي أو الأفريقي بات سببا رئيسيا في طغيان حالة من الحساسية والخشونة في المواجهات الكروية التي تجري بينها. أما الاتجاه الثاني فيرجع هذه الظاهرة إلي تشابه الأداء الفني لفرق شمال أفريقيا, حيث تعتمد طريقة لعبها علي التنظيم الدفاعي الجيد والضغط علي المنافس من منتصف الملعب, وهو ما يؤدي دوما إلي حدوث احتكاكات بين اللاعبين, الذين يتعمد بعضهم استخدام العنف لإخراج الخصم من تركيزه ومن ثم تسهيل مهمة الفوز عليه. فيما يشير الاتجاه الثالث إلي أن الفرق الجزائرية تبدو قاسما مشتركا في هذه الظاهرة, ليس مع أندية ومنتخبات مصر فقط, بل مع أندية ومنتخبات شمال أفريقيا الأخري, ففي إحدي المواجهات الكروية التي جرت بين منتخبي الجزائر والمغرب, قامت الجماهير الجزائرية بالتجول في الشوارع قبل وخلال وبعد المباراة مستخدمة حميرا مغطاة بأعلام مغربية. ويستنتج هذا الاتجاه من ذلك أن الجمهور الجزائري يتسم ب حماسة كروية لا تخلو من عنف في بعض الأحيان حتي بين الأندية الجزائرية نفسها. فقد تم إيقاف مباراة كرة قدم بين فريقي شبيبة القبائل وجمعية أولمبي الشلف في الدوري المحلي عام2009, بسبب شغب الجماهير. كما وقعت أحداث شغب عقب هبوط فريق مولودية وهران إلي الدرجة الثانية عام2008. وقد دفع انتشار ظاهرة العنف في الملاعب الرياضية الحكومة الجزائرية إلي تشكيل ما يعرف ب اللجنة الوطنية للوقاية ومكافحة العنف في الملاعب عام2008. لكن بعض الاتجاهات تضفي أبعادا سياسية واقتصادية علي تفسيراتها لهذه الظاهرة. إذ يرجعها البعض إلي وجود ما يسمي ب عقدة التفوق المصري فعلي المستوي الرياضي, تبدو مصر محتكرة لكثير من البطولات القارية علي مستوي الأندية والمنتخبات. فعلي صعيد المنتخبات حصل الفريق القومي المصري علي بطولة كأس الأمم الأفريقية7 مرات, أما علي صعيد الأندية فقد حصل الأهلي علي6 بطولات أفريقية للأندية الأبطال, إلي جانب4 بطولات للأندية أبطال الكئوس( كأس الاتحاد الكونفيدرالي حاليا), و4 بطولات للسوبر الأفريقي. فيما حصل الزمالك علي5 بطولات للأندية الأبطال, و3 بطولات في السوبر الأفريقي وبطولة في أبطال الكئوس. هذا التفوق المصري الواضح يدفع دوما أندية ومنتخبات شمال أفريقيا, وغيرها بالطبع من الأندية والمنتخبات الأفريقية, إلي محاولة مزاحمة المصريين في احتكار البطولات القارية, وهو ما يولد حساسيات كبيرة خلال المواجهات الكروية التي تجري بينها. وهذه الحقيقة تحديدا بدت جلية في النقاش الذي دار بين معلقين في إحدي القنوات الفضائية علي أحداث مباراة مصر ونيجيريا في نهائيات كأس الأمم الأفريقية التي جرت في أنجولا في يناير2010, والتي فازت فيها مصر بثلاثة أهداف مقابل هدف واحد. فعقب انتهاء المباراة سارع أحد المعلقين إلي تهنئة الشعب العربي بفوز مصر, فما كان من المعلق الثاني إلا أن رفض ذلك, مؤكدا أن العروبة دفنت مع الرئيس جمال عبد الناصر, ومشيرا إلي أن90% من الشمال الأفريقي كانوا يتمنون فوز نيجيريا وقد تألموا لفوز مصر. أما علي المستوي السياسي, فتمثل مصر, لاعتبارات سياسية واقتصادية وبشرية وجغرافية وإستراتيجية, القوة الإقليمية الكبري علي المستوي العربي, بشكل يحفز الأطراف العربية الأخري علي السعي من أجل منافستها علي دور القيادة أو الزعامة الإقليمية, وهو ما يؤدي إلي حدوث توترات مكتومة تنعكس في بعض الأحيان من خلال المواجهات الكروية بين أندية ومنتخبات هذه الدول. لكن البعض يتجاوز ذلك بكثير, إذ يشير إلي تدخل بعض القوي الإقليمية من أجل فرض حالة من الاحتقان والتوتر المستمر في العلاقات بين الدول العربية من أجل تدعيم حالة الانقسام والتشرذم بين هذه الدول, مستغلة في ذلك أجواء الشحن الإعلامي التي تتسم بها المواجهات الكروية بين أندية ومنتخبات هذه الدول. فيما يشير البعض الآخر إلي أن حالة التوتر التي تطغي علي المواجهات الرياضية بين دول شمال أفريقيا تمثل جزءا من حالة عامة تتسم بها دول العالم الثالث, التي تعاني من وجود صراعات اجتماعية, بشكل يؤدي إلي خلط الأولويات وعدم التفرقة بين القضايا الملحة والقضايا الطارئة ومن ثم تتحول المباريات الرياضية إلي صراعات ومنافسات سياسية. وعلي أي الأحوال فقد انتهت المعضلة التونسية المصرية بعد أن وضعت مصر مشاغبي تونس أمام القضاء, ووجدت قوات الأمن التونسية أن27 صيادا مصريا خالفوا القوانين والأعراف فتم القبض عليهم, وانتهي الأمر كله حينما التقي رئيسا مصر وتونس في مدينة سرت الليبية لحضور القمة العربية الأخيرة, إذ تم الإفراج عن المخالفين للقانون في البلدين. هذا الاعتداء بالتحديد أعاد إلي الأذهان مرة أخري ثلاثة حوادث عنف وقعت في الماضي: الأول, في القاهرة, في17 نوفمبر1989, فبعد فوز المنتخب المصري علي نظيره الجزائري بهدف للاشيء وتأهله إلي كأس العالم بإيطاليا1990, قام أحد لاعبي المنتخب الجزائري بالاعتداء علي طبيب مصري ما أدي إلي فقدانه إحدي عينيه, وعلي خلفية ذلك أصدر الإنتربول أمرا قضائيا بالقبض علي اللاعب الجزائري, لتنفيذ حكم قضائي مصري بالسجن, وهو ما حال دون مغادرة اللاعب الأراضي الجزائرية منذ عام1989, إلي أن تمت تسوية القضية عام2009, عقب تنازل الطبيب المصري عن دعوته القضائية. هذا التفوق المصري الواضح يدفع دوما أندية ومنتخبات شمال أفريقيا, وغيرها بالطبع من الأندية والمنتخبات الأفريقية, إلي محاولة مزاحمة المصريين في احتكار البطولات القارية, وهو ما يولد حساسيات كبيرة خلال المواجهات الكروية التي تجري بينها. وهذه الحقيقة تحديدا بدت جلية في النقاش الذي دار بين معلقين في إحدي القنوات الفضائية علي أحداث مباراة مصر ونيجيريا في نهائيات كأس الأمم الأفريقية [email protected]