ونحن نستعرض الدور الكنسي في دائرة العلاقة بين الأقباط والوطن لا يمكن أن نعبر بغير أن نتوقف عند طرح مغاير للسائد علي الساحة القبطية الكنسية الرسمية وهو طرح عمره يقترب من النصف قرن من الزمان, يكشف كم كان صاحبه يتمتع برؤية مستقبلية موضوعية, وهو يرقب بعضا من مؤشرات تنبئ بتداعيات ونتائج سلبية, نراها محققة بين ايدينا اليوم, ساعتها قوبل بتبرم وامتعاض فلم يكن زمنه زمن الصدام, ولم يكن مناوئوه يملكون التصدي له, وبعدما جرت في بحر الكنيسة مياه التغيير كان هذا الطرح يمثل خلفية لتجميع الأدلة علي ادانته أو صنع سحابة سوداء في سماء الكنيسة يتكون سناجها من كلمة هنا وتعبير هناك وتأويل في بعض سطور تجتزئ من سياقاتها, وتختطف من منهجها العلمي لتطرح شعبويا, سعيا لأن تصرخ الجموع: أصلبه.. أصلبه, ومازالت المحاولات قائمة لكنها لم تنجح في مسعاها, وبقي الرجل وآثاره الفكرية والبحثية تحفر لها طريقا في العقل القبطي الجمعي والآخذ في الاستنارة وإن كان ببطء ولكن الي الأمام وبهدوء ولكن بقوة. نتوقف مع ما كتبه الأب متي المسكين عام1963 في كتاب' الكنيسة والدولة', والذي اعيد طبعه لمرات مزيدا ومضافا إليه فصل' الطائفية والتعصب' الذي نشر كمقال بلبنان عام1969, ليستقر بين ايدينا في طبعة سادسة2006. وكم كنت اروم أن انقله كما هو حتي لا أحرم القارئ متعة متابعة سطوره لكنني محكوم بالمساحة المتاحة وعلي رقبة قلمي سيف حقوق النشر والملكية الفكرية, وعليه نشير فقط الي محاوره الاساسية, ففي استهلاله يجيب الكاتب علي ثلاثة اسئلة تبلور اختصاصات المسيحية: يجملها في ثلاثة أبعاد بنص سطوره البعد الأول موضوع المسيحية, أي لمن جاء المسيح ؟ وسنعرف أنه جاء من أجل الخطاة, البعدالثاني وهو هدف المسيحية, أي ما غاية المسيح من خلاص الخطاة وسنعرف أن الغاية هي أن يدخلوا ملكوت الله, البعد الثالث وهو وسيلة المسيحية, أي ما هي الطريق لخلاص الخطاة, وسنعرف أنها المنادة الحرة للتوبة لتجديد الإنسان. ومن هذا التحديد ينطلق عبر صفحات كتابه الصغير ليبحث في حدود نشاط الكنيسة بالنسبة للدولة ليعرف المواطن' المسيحي' ما له وما عليه تجاه الكنيسة والدولة. وهو يري أن اهتمام الكنيسة بغير دعوة المسيح للخطاة كمهمة أولي وعظمي انشغالا بإمور جانبية زمنية,, ليس خروجا عن المسيحية فحسب ولكنه مقاومة لها] بل يري, أن محاولة الكنيسة الاهتمام بالأمور الزمنية باسم المسيح هو بمثابة تنصيب المسيح ملكا علي الأرض, ومحاولة تقوية سلطان الكنيسة الزمني والمطالبة بحقوق للجماعة هو رجعة لإقامة ملك المسيا كما كان يحلم به اليهود, ويستطرد الكاتب: حينما يتصفي فكر الكنيسة من كل اطماع الدنيا, وتنفض عنها الحقوق المطلوبة والحقوق المسلوبة, حينئذ ستتذكر قول سيدها' مملكتي ليست من هذا العالم يو18:36. وتحت عنوان' الكنيسة والوطن' يؤكد أن الوطن السمائي لا يلغي وجود الأوطان, والسعي نحو الوطن السمائي لا يشمل معني انكار الأوطان فالمسيح نفسه قيل عنه' وخرج من هناك وجاء إلي وطنه وتبعه تلاميذه مرقس6:1 ويكمل, الوطن الأرضي ضرورة للإنسان ليكون كاملا جسديا كما أن الوطن السمائي ضرورة ليكون كاملا روحيا, إن كبت الروح الوطنية هو وأد الروح الإنسانية.. وتربية الشباب علي أساس تغليب الوطن السمائي علي الارضي باستخدام النهي والتحذير والإزدراء ينشئ حتما نوعا من الكبت تختل علي أثره علاقات الإنسان بأهله وبلده, ويغشاه شعور بالوحشة واليأس ويجعله تائها عن نفسه الحقيقية, ويظل يبحث عن شئ ضائع في حياته ولكن هيهات فلن يجده, لقد وئدت وماتت: إنها الروح الوطنية. وتحت عنوان' رجل الدين, والدولة' يبين أن صفة الكاهن الكنسية لا تعطيه حصانة ضد مؤاخذات الدولة فهو يمثل أمام الدولة كمواطن أولا وقبل كل شئ, لذلك يلزم أن يكون حريصا في معرفة الواجبات التي تربطه بالدولة, وحقوق الوطن عليه يؤديها جميعا بدقة ومبادرة.. وهو مسئول عن رعيته أمام الكنيسة وليس أمام الدولة, كما يصبح عليه أن يعلم رعيته بما تأمره به الكنيسة التي اقامته, وليس للكنيسة أن تأمره أن يعظ أو يعلم إلا في حدود اختصاصاته, وهي أن يمهد لشعبه بواسطة خدمة الكلمة والصلاة حياة التوبة. وفي فصل يحمل عنوان' مسئولية المواطن المسيحي تجاه أنظمة الحكم' يؤكد أن المواطن المسيحي عليه أن يدرك أنه مسئول أمام ضميره وأمام التاريخ عن انظمة الحكم في الدولة, فأي فساد أو إفساد في انظمة الحكم والنكوص بها الي حالات الرجعية والعنصرية والتحزب تفسد المجتمع كله وتدهور الإقتصاد وتجلب الغلاء والوباء ويتحمل هو نتائجها, ويستطرد والذي نود أن نوضحه للمواطن المسيحي أن حالة اللامبالاة بمجريات الأمور في الدولة لا يمكن أن تنتهي إلا بخسارة شديدة حينما يصحو فلا يجد نفسه في الركب... إننا سوف نسأل يوما من أولادنا وذوينا عن الدور الإيجابي الذي قمنا به في تحرير وطننا ورقيه فماذا نجاوب عن انفسنا ؟. وفي ذات السياق يقول الكنيسة ليس لها اتجاه خاص في انظمة الحكم ولا تناصر وضعا اجتماعيا أو سياسيا, ولا تمالئ أي نظام إن كان حسنا ولا تقاومه إن كان رديئا ولكنها تعمل ما هو أعظم من ذلك كله, فهي تهب أولادها حرية كاملة ليتصرف كل واحد في أمور الدنيا حسب اصول الدنيا.. فيناصر الوضع الأفضل, إجتماعيا أو اقتصاديا أو سياسيا بكل ما أوتي من معرفة وقدرة, ويقاوم الأردأ دون تهور أو استهتار. والاستغراق في الكتاب يمكن أن يمتد بنا طويلا, وحتي عناوينه تفتح الأبواب للدخول في مناقشات وابحاث مستنيرة وجادة, منها الكنيسة وعقدة الاضطهاد, والكنيسة والتعصب الديني, والطائفية والتعصب, وعندما تطالعها تعرف كم كانت الأشواك تحاصر قلمه وتحاول أن تطارد سطوره, وعندما لم تفلح سعت لمحاصرته هو وخنق اطروحاته من المنبع فمنعت كتبه وشوهت فكره, لكنه يبقي صوتا مختلفا موضوعيا ومستنيرا, تصور أن الدعوة مقدمة للقائمين علي مشروع القراءة للجميع للمبادرة بطبعه في سياق مشروعهم التنويري. وتحت عنوان' الكنيسة والوطن' يؤكد أن الوطن السمائي لا يلغي وجود الأوطان, والسعي نحو الوطن السمائي لا يشمل معني انكار الأوطان فالمسيح نفسه قيل عنه' وخرج من هناك وجاء إلي وطنه وتبعه تلاميذه ومن هذا التحديد ينطلق عبر صفحات كتابه الصغير ليبحث في حدود نشاط الكنيسة بالنسبة للدولة [email protected]