نحن نعيش أجواء الحرب الصليبية العاشرة استنتاج مؤسف, لايمكن للمتابع لحلقات التحريض علي المسلمين, والتي كان آخرها ماأقدم عليه القس تيري جونز إلا أن يصل إليه ومما لاشك فيه أن الحرب الصليبية الأخيرة التي يقوم بها الغرب منذ أحداث11 سبتمبر2001 م, قد تم التمهيد لمناخها مند سنين, وبشكل خاص منذ صدور كتاب صموئيل هنتنجتون صراع الحضارات. ******* وان كنت علي صواب فيما أراه, فإن ماآلت إليه الأمور, أشبه بكرة الثلج يزداد حجمها كلما تدحرجت, وكان سببا في تحويل العرب والمسلمين في نظر الغرب بشكل عام وأمريكا بشكل خاص, من عدو محتمل إلي عدو قائم, فما أشبه اليوم بالبارحة, وهناك سابقة تاريخية, أفلم يقم ثالوث أيديولوجية الدمار بمايقوم به الغرب الآن, من إعداد الرأي العام الغربي المسيحي لخوض الحروب الصليبية, وليس لديه أي دليل علي ماتم ترويجه من أكاذيب حول تعرض المسيحيين للأذي علي أيدي السلاجقة المسلمين؟! ففي الوقت الذي أخذت فيه البابوية تبارك هجمات المسيحيين علي المسلمين في الأندلس وصقلية, انبعث صوت استغاثة خافتة من القسطنطينية. تشكو ماحل بالامبراطورية البيزنطية وجيشها وامبراطورها علي أيدي المسلمين في مانزكرت وتطلب النجدة السريعة من الغرب, وواكب ذلك سطوع نجم أوربان الثاني المشهود له بإشعال الحرائق. فعلي ضوء ماسمعه من مبالغات عن اضطهاد الأتراك السلاجقة للمسيحيين والحجاج, بدأ يفكر في مشروع لطرد المسلمين من الأراضي المقدسة. بنفس العزيمة والجهد التي يجري بها طردهم من الأندلس. أما ثاني الثالوث بطرس الناسك فقد كفانا ادوارد جيبون في كتابه اضمحلال الحضارة الرومانية مؤونة دوافعه بقوله: إن بطرس قد تزوج من امرأة طاعنة في السن, دميمة الوجه, سيئة الخلق, فله عذره إذا التمس الخلاص منها, فهجرها إلي أحد الأديرة للاعتكاف, فضعف جسمه بقدر مانشط خياله, فكان إذا رغب في شيء اعتقد في وجوده, حتي إذا ماملأ هذا الاعتقاد نفسه, تخيله في أحلامه حقيقة واقعة, وهذا ماحدث بالفعل في ابتكاره لقصة معاناة المسيحيين في الأراضي المقدسة. أما ثالثهم, فقد أضاف التاريخ إلي اسمه والتر لقب( المفلس) فكفانا مؤونة البحث عن دوافعه في الانضواء في هذه الحركة, ودوافع عشرات الألوف الذين اتبعوه من نفايات أوروبا للقضاء علي العرب والمسلمين, فليس من المبالغة ان يقال, بأن رغبة الكنيسة في تصدير الإرهاب والرعب إلي الخارج, قد كانت من أهم الأسباب التي دفعت الكنيسة إلي إعلان الحرب الصليبية, حتي إن مؤرخي عصر التنوير في أوروبا مثل: جيبون ووليام برستوم وهيوم وفولتير, قد وصفوا الصليبيين كانفجار معقد من التعصب والجنون, وقد شاركهم في رأيهم الكثير من المؤرخين والكتاب المعاصرين, وقد اعتمدوا جميعا في رأيهم علي أن الحركة الصليبية, وليدة تفاعل وعوامل كثيرة متشابكة, دينية وسياسية واجتماعية واقتصادية, إلا أن العامل الديني يأتي في أولها, ولا سيما في فترة الإعداد, وأيام الحملات الأولي, ذلك لأنه في فترة الإعداد للحرب, عادة مايكون التركيز علي الهدف الأيديولوجي, بغية استقطاب الرأي العام, الذي ليس أجدي لاستقطابه من الأيديولوجية التي تقوم علي أساس ديني, أو ترتدي مسوح الدين, علي الرغم من أن العوامل الأخري, بل والأهداف الشخصية, قد تكون أكثر أهمية, والحركة الصليبية مثال جيد علي الاختلاف بين الهدف الأيديولوجي المعلن للحرب, والدوافع والأسباب الحقيقية التي تعتبر المحرك الفعال لعجلة الحرب, لتحولها إلي واقع ملموس. ومثل هذه الاعتبارات كفيلة بأن تقودنا إلي نفس دوافع القس( تيري جونز) الذي جمعته بدوافع ثالوث أيديولوجية الدمار قواسم مشتركة, بيد أن دوافع والتر المفلس تأتي في أولها, فكما ذكرت صحيفة( الصنداي تايمز) أنه مفلس مهووس في إشعال الحرائق, ولانود الإطالة هنا وضرب الأمثلة الدالة علي ذلك, وحسبنا أن نذكر أن جونز هذا كان مدير فندق سابقا, طرد منه لسوء سمعته المالية, ثم تعرض للطرد من كنيسة كان يرأسها في ألمانيا لارتكابه أيضا لمخالفات مالية. بيد أن ماهو أعجب من هذا, أن تمر هذه الأمور بهدوء دون أن يحس بها أولو الأمر من القائمين علي شئون الكنيسة في أمريكا, ومايبدو واضحا علي أي حال, هو أن كنيسته المحدودة الأتباع والصغيرة بولاية فلوريدا, قد خسرت في العام الماضي جزءا من الإعفاء الضريبي الذي تتمتع به الكنائس الأمريكية عندما انتهي الخبير المالي المحلي إلي أن جزءا من الممتلكات قد استخدم لأعمال هادفة للربح, وبالتالي يخضع للضرائب. وأظهر مايتجلي في شخصية جونز المفلس, أنه رجل متسلط, وهاهو يخرج عن كل منطق, حيث يزعم أن العمل من أجل كنيسته المغمورة, هو الطريق الوحيد للخلاص, وان تركها سيجلب اللعنة, ويعملون لمدة أربعين ساعة في الأسبوع كمتطوعين في بيع الأثاث المستعمل, والترويج لشعارات مناهضة للإسلام علي الانترنت. ولكن هناك بالطبع ماهو أكثر من مجرد تسخير أتباعه للعمل لحسابه الخاص, وهو أنه يدير في كنيسته أكاديمية, خضع فيها ستة طلاب مقيمين لبرنامج مدته ثلاثة أعوام, يهدف إلي تحطيم كبريائهم وتعليمهم إذلال أنفسهم, ليس فقط أمام عظمة الله, ولكن أمام البشر, مما أعطي للبعض الحق في إلصاق تهمة التحرش بالأطفال بهذا القسيس في ظل تنامي فضائح الكنيسة في قضية التحرش بالأطفال من قبل القساوسة, باعتراب بابا الفاتيكان نفسه, ومن خلال هذه المعطيات وبها, فهل من المعقول أن تترك أمريكا رجلا مثل هذا يحرض علي الإسلام ويهدد بحرق قرآنه الكريم, والرجل يغوص إلي أعمق أعماق مافي الغثيان من بشاعة, شأنه في ذلك شأن أسلافه ثالوث أيديولوجية الدمار الذين نجحوا في الإعداد للحروب الصليبية, في زحف تاريخي بربري استهدف من ورائه, لاهزيمة العسكرية العربية فحسب, بل تهميش الإسلام في العالم, فالذين حملوا انجيل ديانة السلام والتسامح والمحبة, كتبوا هم أنفسهم إلي البابا الذهبي يباهون بالمجازر التي صنعوها بالعرب المسلمين بعد دخولهم القدس فقالوا وإذا أردت أن تعرف مايجري لأعدائنا, فثق أنه في ا لمسجد الأقصي كانت خيولنا تغوص في بحر من دماء الشرقيين والشرقيون هؤلاء كانوا هم العرب مسلمين ومسيحيين, وهذا بدوره جدير بأن يفسر لنا خروج مظاهرة نظمها مسيحيون مصريون, وقفوا يهتفون ضد القس المفلس ويتبرأون مما اقترفته يداه, ويحملون لافتات تؤكد وحدة اتباع يسوع ومحمد علي أرض مصر.