ما ان شرعت في قراءة رواية سأرسم نجمة علي جبين فينا للكاتبة والصحفية اللبنانية سحر مندور حتي انتهيت منها في اقل من الساعة. الرواية الصادرة في طبعتها الثانية أخيرا عن دار الشروق تبدأ بصخب خاطف, فالجملة الاولي تحتل مساحة واسعة من البياض المحيط لتسمح بابراز يلعن أبو البنات, تلك الجملة التي تحتل وحدها السطر الاول في الرواية, لتوضح الكاتبة في السطر التالي, أن هذه هي الجملة الاولي التي طرقت اذن البطلة فينا لحظة خروجها من رحم امها. وتؤكد الراوية ان تلك الجملة الخشنة التي القيت في وجه البطلة معلنة رفض وجودها بداية من لحظتها الاولي في الحياة, لم تكن علامة عدم الترحيب الوحيدة بفكرة وجودها, بل تفصل السطور التالية الخشونة التي تلقتها البطلة فينا علي ايدي الاطباء والممرضات لتعرف بطلة الرواية منذ البداية, أن هذا العالم ليس لها وهو ما يؤكده استقبال العالم لها لحظة الميلاد. تكتفي الكاتبة بهذا القدر من التلميح الاقرب للتصريح في بداية روايتها شديدة القصر سريعة الايقاع وتمضي في خط زمني منتظم لترسم حياة البطلة التي ووجهت فيها بالرفض من كل المجتمعات التي وجدت فيها بدءا من اسرتها الصغيرة التي ترفض كل محاولاتها للتجريب والتعرف علي الحياة فقط لانها انثي الا ان فينا تتخذ من التمرد شريعة ومنهجا في المضي في نهمها الواضح للحياة ليستمر الرفض الذي تواجهه مرورا بعملها, الذي تعتمد فيه علي جمالها وحده فلا تحقق فيه حظا يذكر فأسرة زوجها التي ترفضها وتعلن ذلك بوضوح منذ البداية واخيرا مجتمع المتدينات الذي خطت اليه املا في ايجاد خلاص ما, يملأ الفجوة بداخلها بعد ان تخلت عن عملها يأسا في ايجاد الخلاص فيه. تترك فينا لبنان وراءها, وترحل إلي باريس, لتقرر بعد ايام ان تعود ادراجها لوطنها قبل ان تتركنا الكاتبة مع نهاية غير محددة, ترقد فينا علي طاولة الجراحة لاستئصال ورم بمخها الا ان فينا نفسها لا تخفي علي القارئ بينما تحدثه, انها قبلت الخضوع للجراحة املا في الموت, بعد ان يأست من ان تعمر حياتها بالحياة. تلخص قصة فينا التي تنتقل فيها سحر مندور بين راويين اولهما راو عليم يحكي ما يمر بفينا بشكل اقرب للحياد وثانيهما فينا نفسها التي تتكلم بلسانها لتحكي قصتها والزمن في الرواية كالاحداث, منتظم ومنطقي لكنه متسارع, ينقل في تسارعه نهم البطلة للحياة, وسعيها لاختبار كل ما فيها, وان لم تمكنها ثقافتها ومعارفها من الامساك بما يشبعها حقا. سحر مندور مؤلفة الرواية والمحررة بصحيفة السفير اللبنانية وهي من أب مصري وأم لبنانية صدرت لها ايضا رواية حب بيروتي تستند في كتابها إلي لغة خاصة, اتسمت بالايقاع السريع والالفاظ البسيطة والجمل القصيرة القادمة من عالم الصحافة دون ان تفقد في حكيها التعليق الساخر المدمج بالاحداث, دون ان تضفي تلك التعليقات ترهلا أو تفسيرات زائدة تصل إلي حد التأملات المطولة التي تسيطر علي اغلب الروايات العربية. تتخلص سحر مندور من كل هذا لتمنح قارئها رواية خفيفة الظل تحكي حكاية فتاة عربية تقليدية تبحث عن حياة سلبت منها منذ لحطة الميلاد.