في عصر التوابل الإعلامية وأدوات الاتصال الغارقة في آلاف التفاصيل ينبغي العودة دائما الي المكونات الأصلية حتي يمكن الفهم الصحيح لما يجري حولنا علي امتداد مساحة العالم خاصة ان الأيام الماضية قد حملت انباء مزعجة وغير مسبوقة تظهر الوجه الآخر والقبيح لأكبر وأقوي دولة في ملامح عنصرية وجاهلية تستهدف الإسلام والمسلمين ولكن من الخطأ كل الخطأ الاعتقاد بأن ما جري ويجري في نيويورك وواشنطن وبعض الولايات الأخري هو إحياء لذكري أحداث الحادي عشري من سبتمبر, وانما من الصحيح تماما القول بأن ماحدث يمثل هجمات جديدة إستهدفت هذه المرة اغتيال احلام الرئيس أوباما. علي الرغم من تباين الاراء والمواقف بين الامريكيين حول العديد من القضايا التي فرضت نفسها علي الرأي العام في الآونة الأخير, وهو امر طبيعي في مجتمع ديمقراطي يعد النموذج الذي يحتذي, إلا أن ما يثير الانتباه ذلك الاجماع من كافة الفرقاء علي وجود احساس عام بوجود شئ ما يختلف عن السنوات السابقة وهناك لابد لنا العودة الي الأجندة الامريكية للتعرف علي البنود والاسباب التي قد يكون لها مثل هذا التأثير المباشر والذي ادي الي حالة الانقسام والمظاهرات المؤيدة والمعارضة ونهر متدفق لا ينقطع من التصريحات والمقابلات والمدونات وكلها تتخذ من الاسلام وسيلة لتصفية الحسابات فيما بينها. لو كانت هذه هي السنة الاولي لذكري تلك الهجمات لأصبح التفسير سهلا وميسورا, ولكن ان تتصاعد النغمات الطائشة والمجنونة والتي ذهب الي حد الدعوة لاحراق نسخ المصحف الشريف مع الادراك الكامل بما يمكن ان يؤدي اليه هذا العمل الطائش من فتنة كبري لن ينجو منها احد وذلك في العام التاسع, فإن السؤال البديهي والاساسي الذي يطاردنا لا يزيد علي كلمتين اثنتين. لماذا الآن؟ واذا أردنا الإجابة الموضوعية البعيدة عن المشاعر والعواطف, علينا البحث أولا عن الاطراف المستفيدة مما يحدث, والمسألة لاتبدو بالغة الصعوبة طالما التزمنا بالعودة الي الاجندة الامريكية. فيما يخص الشأن الداخلي هناك الانتخابات القريبة للكونجرس, والقوي اليمينية التي منيت بهزيمة نكراء في الانتخابات الماضية بسبب مغامرات بوش واخفاقاته في العراق وافغانستان لم تفقد الامل في استعادة مكانتها وتكرار السيناريو الذي حدث مع بوش في ان يحاولوا فرض الهيمنة علي الكونجرس تمهيدا لوضع القيود علي اوباما حتي يغادر البيت الابيض.. ولابد من الاقرار بوجود عوامل مشجعة ودافعة للقوي اليمينية التي لاتزال قوية وذات نفوذ في الكثير من الدوائر السياسية والاعلامية, ولعل في مقدمة تلك العوامل استطلاعات الرأي التي تشير الي تدني شعبية الرئيس أوباما علي خلفية الاوضاع الداخلية وارتفاع عدد القتلي بين الجنود الامريكيين في افغانستان تحديدا. وتري القوي اليمينية ان هذا التدني وانخفاض الشعبية يتيح فرصة فريدة يجب اغتنامها قبيل انتخابات الكونجرس بتوجيه ضربة قاصمة تظهر المجتمع الامريكي علي هذا النحو من التشرذم والانقسامات مما يضع علامات استفاهم حول دور اوباما.. التزامن في التوقيت كان وحده العامل الاول في اختيار قضية الاسلام والمسلمين لتوجيه الضربة القاصمة المطلوبة, فذكري الاحداث تسبق بقليل موعد الانتخابات وترتبط باعياد المسلمين مما يوفر أجواء السخونة والتصعيد. ومن المفيد ان نستحضر حقيقة انه قبل عامين من الآن قام قس امريكي مغمور ومرفوض وملعون من بقية الكنائس, قام فعلا بإحراق نسخ من القرآن الكريم والعلم الامريكي, ولم يلتفت اليه احد, بل ولم نسمع عن هذه الواقعة الا هذه الايام. لذلك فإن الجدل يدور بين المتخصصين في الاعلام ووسائل الاتصال حول مصداقية الحملة التي صاحبت الدعوة الاخيرة للقس الامريكي, ومسارعة وسائل الاعلام والفضائيات الامريكية بإجراء اكثر من مائة وخمسين مقابلة معه, بالاضافة الي وجود اكثر من ثلاث عشرة ألف مدونة تتناول حكايته حتي اصبحت القصة الاولي في العالم وكان يمكن ان تلحق بالأخري التي جرت عام2008 خاصة ان القائمين علي الحالتين من المنبوذين دينيا واجتماعيا ومع تسليط الاضواء المتعمد علي القس الامريكي جري وعلي الفور تحريك قصة المركز الاسلامي في نيويورك وهي القضية التي تم حسمها قبل وقت طويل واخذت في حينها الكثير من المناقشات علي كل الاصعدة وصدر القرار النهائي الذي يكفله الدستور الامريكي, ولكن الزج بالقضية في هذا الوقت كان بهدف صب الزيت علي النار. ومع اشتعال حرارة الشارع الامريكي ما بين مؤيد ومعارض, خرجت التحذيرات الرسمية من قائد القوات في افغانستان ومن وزيرة الخارجية واخيرا من اوباما نفسه بأن الاقدام علي العمل المجنون الذي يدعو اليه هذا القس من شأنه إلحاق الأذي بالجنود هناك, واتصل وزير الدفاع جيتس بالقس الذي اكتسب شهرة واتفق معه علي التراجع وتمت دعوته لاحتفالات ذكري احداث سبتمبر. ولولا الحسم الذي أبداه الفريق المعاون لسيد البيت الابيض وتنامي الوعي لدي شرائح عديدة من المجتمع الامريكي وفي مقدمتهم السود والأقليات الذين تعاملوا مع رسالة القوي اليمينية علي انها تمثل تهديدا لهم في المستقبل بعد الانتهاء من المسلمين. استطاع اوباما ان يجهض هجمات سبتمبر الجديدة التي جاءت لصالح القوي المتشددة والمتطرفة واعاد الي الاذهان كلمات بوش زعيمهم السابق بأن امريكا لا تحارب الاسلام وانما القاعدة, واراد أوباما بذلك ان يكشفهم امام الرأي العام ودون ان يدخل في معركة مباشرة لم يخطط لها. ويمكننا ان نرصد في المنظور الأوسع وقياسا علي الاجندة نفسها ذلك التعهد المعلن من الرئيس أوباما بالتوصل الي السلام العادل في منطقة الشرق الاوسط علي اساس حل الدولتين, ونحتاج الي تنشيط الذاكرة فيما يخص تهور نتانياهو وغضبه عندما كان يسارع كلما جاء ميتشيل وهيلاري الي المنطقة بالاعلان عن انشاء مستوطنات جديدة وهي القضية التي طالب الرئيس الامريكي شخصيا بضرورة وقفها باعتبارها العقبة الرئيسية امام المفاوضات, ونتذكر ايضا كيف وقف نتانياهو علي مقربة من البيت الابيض مذكرا اوباما بأن القدس ليست مستوطنة وانما العاصمة الابدية لاسرائيل.. هل يمكن اخراج تلك المشاهد من محاولة اغتيال احلام اوباما في احلال السلام واستعادة الامن والاستقرار في العالم. والسؤال بشكل آخر, هل تخلو اجندة اليمن الامريكي المتطرف منالدعم الكامل والاعمي للسلوك الاسرئيلي والرفض الصريح للضغوط التي يمارسها أوباما علي نيتانياهو ؟ كذلك لا يمكن تجاهل حقيقة ان هذا اليمين الامريكي المتشدد يتحفظ علي منهج اوباما تجاه ايران ويطالب باتخاذ مواقف حاسمة منها كحد ادني السماح لاسرائيل بتوجيه ضريبة الي المنشآت النووية الايرانية. وهكذا تبدو اجندة الرئيس اوباما الساعية لاستعادة الدور الامريكي في تعزيز الامن والاستقرار في العالم هي المستهدفة من هجمات سبتمبر الجديدة لأن تلك القوي الكامنة لديها رغبة في مواصلة الغزاوات والمواجهات بين الشعوب سعيا لخرائط جديدة تؤكد السيطرة والنفوذ وهي تسابق الزمن خشية من قوي اقليمية باتت تمتلك قوة الرد التي تحمي بها نفسها.. ويبقي التأكيد علي انه لايمكن الجزم بالفشل النهائي لتلك القوي لأن محاولاتها سوف تستمر ولن تيأس بعد فشل هجماتها الاخيرة وستكون ضرباتها اكثر قوة خلال الفترة القادمة بهدف اغتيال احلام اوباما.. تماما كما تفعل القاعدة وغيرها من المنظمات الارهابيةالتي تنتعش في اجواء الحروب والعنف والتعصب. ونحن هناك لانضع اوباما بأي حال من الاحوال ليكوت رمزا للسلام والامن وهناك تحفظات وملاحظات خاصة قرارة بالهروب من العراق تاركا البلد الشقيق رهينة في ايدي الايرانيين, وكذلك تردده بشأن افغانستان قبل اتخاذه قرار زيادة القوات والعمليات العسكرية هناك, ورغم ذلك كله, فإن الرئيس اوباما يمثل مرحلة انتقالية فارقة في التاريخ الامريكي وعلامة فاصلة بين العودة الي الامن والاستقرار في العالم او نشر الفوضي والفتنة والانقسام والحروب التي لن ينجو منها أحد.