(والله أنه لا يمنعني من اللعب إلا ذكر الموت) علي ابن ابي طالب( رضي الله عنه) كانت يدها معقوفة علي سكين صغير ذي نصل حاد تقطع به اللحم الذي طلبته مني هذا الصباح قبل أن اذهب إلي عملي كانت ملابسها زاهية نظيفة معطرة, خالية من روائح المطبخ المعتادة وهذا ما لم أعتده منهاو خاصة في الآونة الأخيرة.. وقفت قبالي وهي تتناول اللحم مني تثبت نظراتها الناعسة الهادئة علي غير العادة, بقوة علي رقبتي التي تحسستها برفق, طلبت منها الاسراع في اعداد الطعام لارتباطي بموعد مهم مع اصدقاء المقهي الحميمين, بالطبع كنت أكذب عليها في ثبات ورباطة جأش حتي لا تشم بغريزتها أنني علي موعد مع الأخري. كانت نظراتها لا تريم عن عنقي.. اقتربت مني وشعرت بحرارة أنفاسها اللافحةوخمنت؟ أن تهبني قبلة أو ضمة متواضعة أو أي شيء يلهيني عن نوبة القلق حولها وحول سلوكها المريب نحوي, همست في أذني قائلة: لقد عرفت كل شئ. ثم سرعان ما هربت وراوغتني ودخلت المطبخ وقد اعارتني ابتسامة باهتة صفراء. اربكتني, ولا أعرف لماذا تذكرت فجأة( تي) الزوجة الثانوية للملك رمسيس الثالث التي تأمرت علي قتله مع ابنها بنتاؤدر, وباب رع المشرف علي الخزانة الملكية يعاونها الضابط النوبي بنموسي والذي انضم للمؤامرة بتأثير أخر له في الحريم الملكي وكذلك بيبس قائد الجيش. .. كان ذلك من وسوسة الشيطان الذي زين ل( تي) ان تقتل سيدها حتي لا يصبح ولده الأثير رمسيس الرابع ملكا علي مصر ويحرم ابنها من اعتلاء العرش, لكن أنا ليس لدي انهار, أو جوار وليس لي سلطان علي شعب مصر اللهم سوي شاليه متواضع بالساحل الشمالي مكون من غرفة واحدة وصالة كانت قد ساعدتني في شرائه ببعض من ذهبها ورفضت حينها أن أكتبه باسمها حدث ذلك قبل أن تعرف انها عاقر بعد سنوات قليلة أخذت تراودني عن نفسي كي أكتبه باسمها حتي لا يستولي عليه أخي وأولاده الولاعون بعد أن أقضي نحبي. ظهرت الأخري كالوميض, كانت حياة أخري غير التي اعتدتها مع سمية, كان حديثها رطبا سلسا رائقا, لا تحب تلوين الشفاه أو صبغ الوجوه أو تخضيب الكفوف وتمقت الملابس العارية المفتوحة من أسفل أو أعلي, جعلتني أحب القصائد وينهزم قلبي أمام ترنيماتها الشجية, أول لقائي بها في المؤسسة الحكومية التي أعمل بها.. كانت ومازالت طازجة ترهبها اللوائح والتعليمات ويزعجها القيل والقال, كانت لا تنتمي الي عالمنا .. كانت تشبه الحياة الأخري في عزوفها عن معطياتنا وقوانينا المحدودة بتطلعاتنا وطموحنا قصير النظر. لم تكن سعيدة بكونها موظفة ساكنة غير مسموح لها بفك قيودها قبل الساعة الثانية بعد الظهر, ملت من التطلع إلي نفس الوجوه والسحنات, وشغلت نفسها بأوراقها وألوانها.. ترسم ويتلون الورق الأبيض بقصائدها القصيرة, تخصني بها واعتبرته امتيازا لأشياء أخري انتظر أن تفاجئني بها يوما ما. قالت ذات يوم وقد هالني وأفزعني حبها للموت: أني أفكر في الموت كل يوم وعندما أضع رأسي للنوم, أحيانا أتهيأ له, تجتاحني رائحته في المنامات, أخشي أن يأتيني دون أن أتهيأ له. في لحظات هرب خاطر الشهوة وقوانين الجسد الدونية وشرعت أفكر مثلها في مصيري بعد الموت. كانت امرأة مختلفة تعشق ركوب الخيل, عندما نكون معا تتشاغل بالنظر للسماء وتتمني لو هبطت عليها من السماء أرجوحة من الحرير والزبرجد تنقلها دون ألم إلي الحياة الأخري فلقد رأت جدها وهو يغرغر وقد بلغت الروح الحلقوم, كان يكابد وحده. لا أحد معه من أولاده الستة, كان ينظر في اللاشئ, كان بصره في ذلك اليوم حديدا! وضعت سمية أمامي طبق اللحم وبجواره أرغفة الخبز الساخنة وبعض المرق, سألتني عن احوال العمل فأجبت باقتضاب: لا جديد. تنهدت ووجدتها تخرج ذات السكين ذات النصل ذي الحاد من بين طيات ملابسها تمزق به اللحم أمامي, فاستنكرت فعلتها فقالت بين الجد والهزل وهي مستمرة في تقطيع اللحم جزلا صغيرة: لقد عرفت كل شيء وحان الوقت للحساب. ثم نهضت وخطت بنصل السكين علي ذراعي فسال الدم ولم أشهق كما توقعت هي والغريب انها لم تجفل لرؤية الدم واستطردت: تعاقبني لأن بطني لا تحمل بذورك وتريد ان تحيا حياة أخري بدوني. قلت في نفسي: لقد أصابها مس من الشيطان وعلي ان اعالج الأمر والا.... لم تمهلني اكمال الجملة وباغتتني بوضع السكين علي رقبتي فقلت لها مازحا: ارتغبين في قتلي ياصغيرتي؟! قالت في نعومة حاقدة: نعم قلت: أطباء التبت في كاتماندو يعتبرون أن جرح الجسم خطأ قد يرتقي الي مستوي الخطيئة. قالت وهي تصك علي أسنانها: أريد أن أساعدك أن تحيا الحياة الأخري. قلت: بدونك ستكون جحيما مقيما. قالت: ومعها ستكون الجنة قلت وقد أزاحت السكين عن رقبتي وحككتها برفق وتأكدت من عدم وجود دم علي ملابسي: لقد وشي بي أحدهم و.. باغتتني: لقد رأيتك. قلت: رأيتني ببصرك ولم توغلي في بصيرتك! قالت: دائما مقتصد في حبك. مضت عشر سنوات عجاف وأنا أتلهف الخلاص. قالت: أتيت إليك بأمرأة في الحلال كي ترزق الولد وتكون لك عشيرة. قال لها: أنها كالبهيمة لو وقعت عليها. قالت: هذا قدري. قلت: شروطك كانت قاسية لا أحتملها. قالت: كانت قروية ساذجة! وماذا أفعل بغفلتها عندما تشب النار في الدار. كانت الطعنة قوية غائرة نافذة للقلب, تسير أغواري الممتدة والمتعلقة بجسر الحياة الأخري.. شعرت بتقطع أوردتي وشراييني وشعرت بالنصل يحز عضلة قلبي قلت بين الألم والمراوغة: كل شئ باطل. قالت: مازال أمامي الكثير وطقوسي الليلة ستكون بك ولك. ارتميت بين قوائم المائدة وشعرت بفوران الدم علي ظهري.. ركلتني بهدوء ازينت وأتت زخرفها وبعثرت بعض ذهبها حولي ولعلة ما لا أفهمها كسرت مزلاج الباب بعنف وبعثرت محتويات المكان في فوضي غير منظمة ولم تنس أن تغمد السكين في راحة يدها, باشفاق أغمضت عيني وطلبت منها أن تكف عن تعذيب نفسها لأجلي. سقطت في متاهات اللاوعي, وحاولت اغلاق عيني فلم استطع.. كان رأسي ثقيلا وحركتي ضعيفة, حاولت النهوض فارتطم رأسي بالحائط وسقطت بجواري لوحة الجيوكندا, حاولت أن أقيمها وأسندها علي الحائط لأري نظراتها فهي تبتسم لي كلما نظرت اليها من أي اتجاه( هكذا كنت أتوهم) كان أصدقاء المقهي يشاركونني هذا الوهم المريح. طلبت منها كوبا من الماء البارد فقالت لي: أنا في عجلة من أمري, انتظر اشخاصا مهمة. قلت لها بين الألم والتوجع: في هذا الوقت؟! قالت في سخرية: لا يأتون إلا في هذا الوقت. مددت يدي وحاولت أن أخلع ملابسي المبتلة بالدماء. شعرت أن طوابير من النمل تزحف إلي جلدي وتتسرب تحته وبألم قاس ينشب أظلافه في كل مكان بجسدي روحي تنسل مني وتمزقني كشد السفود من الصوف المبلول.