قبل عشرة أيام واستعدادا لمجلس الشوري العسكري والذي يلتئم شمله في مستهل أغسطس من كل عام عقد رئيس الوزراء رجب طيب اردوغان في مكتبه بمقر الحكومة( الباشباكللنك) لقاء مفاجئا سريا مع رئيس الأركان اليكار باشبوغ, وفيه نقل الاخير عدم ارتياح المؤسسة العسكرية لمذكرة الاعتقال الصادرة من المحكمة الجنائية العاشرة في اسطنبول بحق عدد من الجنرالات والرتب الاخري المهمة علي خلفية مؤامرة الانقلاب علي حكومة العدالة والتنمية والمعروفة باسم المطرقة, ونوه باشبوغ الذي سيترك منصبه نهاية الشهر الحالي الي انه لا احد فوق القانون, ولوائح الخدمة العسكرية ذاتها تحرم ترقية اي عسكري, وجهت له تهم, فقط لابد ان تكون هناك أدلة وبراهين واضحة تثبت تورطهم خاصة ان ماقيل طوال الأسابيع الماضية ونسب لاسماء مدنية وعسكرية منذ اكتشاف الخطة المزعومة لم يخرج عن الظنون دون توجيه اتهامات محددة. وحسب مصادر من داخل الحكومة ذاتها قيل ان رئيس هيئة الاركان حذر من اضعاف معنويات الجيش الذي يخوض حربا شرسة ضد الانفصاليين في جنوب شرق البلاد الذين يهدفون الي تفتيت وحدة البلاد, وبعد ثلاث ساعات استغرقها الاجتماع الهام تسرب اعتقاد ان ثمة ضوءا في الأفق, وأن الأزمة بين العدالة الحاكم والعسكريين في طريقها للاحتواء. لكن سرعان ماخابت الظنون اذ اصر اردوغان علي رفض التصديق علي ترقية ضباط كبار جاءت اسماؤهم في قائمة المطلوب اعتقالهم من قبل القضاء. ولان الموعد حل, فكان لابد من انعقاد المجلس, ووسط اجواء ساخنة التقي الرئيس عبدالله جول بكبار رجال الجيش ومعهم رئيس الحكومة للوصول الي حل وسط بشأن ترقيات الضباط خاصة ترقية قائد الجيش الاول حسن أغسز ليتولي منصب قائد القوات البرية, وللمرة الثانية تتبدد الآمال إذ استبعد جول الاسماء المطلوبةللتحقيق الجنائي وهكذا يعود الجميع الي المربع الأول, ولتخرج الميديا المرئية في اليوم التالي بمانشيتات وصفت الحاصل بأنه تصفية حسابات ونقطة تحول بتاريخ الحياة السياسية التركية. المعارضة من جانبها اسشتاطت غضبا, فحزب الحركة القومية اليميني وجد فيما يحدث هدية ثمينة للارهابيين بل ومكافأة لهم وحثهم علي زيادة عملياتهم الاجرامية فإذا كانت الحكومة تكيل التهم للجيش فماذا سيبقي منه وكيف له ان يقوم بمهامه والدفاع عن الوطن ورموزه تساق للمحاكم دون ان يكون هناك مايثبت اجرامهم في حق الحكومة وليت الامر اقتصر علي ذلك فحسب, فهاهم عناصر منظمة حزب العمال الكردستاني لم تعد تكفيهم الهجمات ضد الوحدات العسكرية فراحوا يوجهون ارهابهم نحو رجال الشرطة الذين سقط منهم اربعة قتلي, وهو ما شهدته بلدة دورت يول( الطريق الرابع) التابعة لمحافظة بورصة غرب البلاد ومدينة أرزروم المشهد ذاته.. فإلي متي؟ لكن الحكومة وبدلا من أن تكف عن ممارستها راحت تلقي فشلها علي المتربصين بالبلاد الذين يريدون إفشال عملية الاستفتاء علي عرس الديمقراطية المتمثل في التعديلات الدستورية والمقرر له الثاني عشر من سبتمبر القادم, وبجمل انشائية حذر وزير الداخلية بشير اطالاي المواطنين من عدم الانخراط في هذه اللعبة المدبرة وتفويت الفرصة علي أولئك الذين يحاولون قطع طريق تقدم تركيا نحو الديمقراطية. غير ان اللافت في مواقف القوي السياسية المناوئة للحزب الحاكم تمثل في حزب الشعب الجمهوري صحيح انه وجه انتقادات حادة لحكومة اردوغان بانحرافها عن مسار البلاد والتقرب من بلدان الشرق والابتعاد عن العالم الغربي بالاضافة الي محاولة تصفية الجبهة العلمانية من خلال محاولاتها المستمرة للحد من قدرات الجيش الذي يعتبر نفسه حامي العلمانية في تركيا, الا ان كمال كليتش دار أوغلو وهذا هو الجديد اتهم رئيس هيئة الاركان السابق يشار بويك انك بالتواطؤ مع الحكومة وكان يمكن للأول ان ينهي تلك الازمة في مهدها الا انه تركها تتشعب حتي تظهر حكومة العدالة لدي الرأي العام وكأنها مظلومة تتطولها الطعنات من كل جانب بما في ذلك الجيش!! علي اية حال دخلت الازمة منعطفا حادا قد يزيد من التوتر فالجنرال تيلا اشك قائد قوات الجندرمة طلب اعفاءه من منصبه واحالته علي التقاعد رغم انه المرشح الاقوي لتولي منصب قيادة القوات البرية, من جانب اخر تواترت انباء عن تقدم الجنرال أشك كوشنر القائد الحالي للقوات البرية والمرشح لتولي رئاسة الاركان استقالته. هنا أكد المراقبون السياسيون انه من الخطأ تقديم الجنرالات استقالات جماعية, خاصة في المرحلة الحالية التي تشهد تزايد العمليات الارهابية من قبل المتمردين الاكراد ومنظمة حزب العمال الكردستاني الانفصالية. من جانبهم ذهب كتاب الاعمدة في الصحف السيارة الي نفس القول فتلك الخطوة المحتملة لن تكون في مصلحة البلاد, وستتيح الاستقالات في حال حدوثها فرصة ثمينة للحكومة لتصفية الكوادر القيادية العسكرية لتحل محلها اسماء مقربة منها.