بدا وجهه أكثر شحوبا عما اعتدته في الآونة الأخيرة بعد انفصالي عن والده, لم يكن غضبه ليغير شيئا, كانت كلمة هي كل ماتبقي بيننا فنطقها وانتهت مأساة استمرت عمرا بدا اكبر من حقيقته استقبلته بين ذراعي في فزع حقيقي الجمني للحظة عن النطق, لم يستطع الصمود وهوي علي اقرب مقعد فهوي قلبي أمامه وأنا ارقب شعرة المهوش ووجهه الشاحب منتفخ العروق, وضعت يدي علي رأسه محاولة تجفيف حبات العرق الباردة التي غطت وجهه, سرت رعشة في جسده وانتفض من مقعده فأثار كوامن خوفي كلها. كنت أعرف تلك الاضطرابات التي تملكته منذ ذلك اليوم الذي قرر فيه أن يبقي مع والده, آلمني هذا كثيرا ولكنه اجبرني علي احترام رغبته كعقاب لي. في تلك البلة بدا وكأن خوفا لا حدود له يدق بابه في اصرار فاستسلم له دون أن يفهم شيئا. بدأت شفاهه ترتشف كوب الماء في يده بنهم ثم ما لبث أن وقع من يده دون أن يلتفت اليه لم يبد أن توتره زال فدفعني إلي سؤاله في جزع, رغم حرارة الجو بدت شفاهه ترتطم ببعضها ويداه الماردتان ترتعشان والاصفرار يعلو وجهه بل ينتشر إلي روحه أكثر فأكثر وفي انهيار اخبرني انه قتل!! للحظة بد الصمت بيننا مدوياودون إنذار تناثرت شظايا صوته المتهدج يخبرني انه صدم احدهم بسيارته ودفن وجهه بين كفية واندمج في نشيج متقطع. تصلبت في مكاني وبدا السائل الغضروفي بين مفاصلي لا وجود له وسري الألم الي أطرافي فلم اقو علي الحركة. تحاملت علي مقعدي ورفعت وجهه الي في حزم وأنا أحاول سبر أغواره, عيناه الزائغتان تواجهان بان عيني دون أن انطق لم يبد أن سحابه خوفه ستنقشع ولكن في أسي اخبرني انه متأكد ممايقوله وأزاح وجهه عني وبدأ يراقب بقعة بعيدة خلفي. لم المحه من بعيد وسط ظلمة الشارع و..... تهدج صوته ثانيا وبدا أكثر فزعا: ولكني سمعت صرخته, نغم صرخ في حدة..انك لاتصدقينني اعرف, لكن صدقينني تلك المرة, كان بين زراعي هنا..بين ذراعي وأنفاسه تتصارع في أسبقية الخروج, وجهه المضرج بالدماء اخفي ملامحه.. الدفء يتسرب من أوصاله, مثلج اليدين كان مضطربا صدره بين صعود وهبوط لايكاد يلحظ وقتا بينهما..أنفاس حائرة لاتعرف لها اتجاها وكأنها في طريق تسلكه لأول مرة, حاولت أن اعرف هدفها, أن امنعها من الخروج لتبقي داخله..لتعود لطريقها المألوف بلا جدوي. حشرجات داخله أكاد اسمعها الآن..نعم حشرجات أخيرة أخافتني وبدأت عيناه في الذبول رويدا رويدا..ثم جحظتا في مقلتيهما شاخصتين الي اعلي وانطلقت شهقة أخيرة خشعت لها كل أوصالي. جريت..أرجوك لاتتهميني بالجبن, أو اتهميني فانا تركته وهربت, هربت إليك أرجوك ساعديني. امسك يدي في توسل وجسده ينتفض كالذبيح وتشنجات بكائه لاتنقطع.. ضممته الي صدري في خوف تملكني دون أن يقتل تلك الحيرة بداخلي, ايكون اضطرابه الي هذا الحد؟! وكأن سؤالي تسرب إليه فرفع الي عينا دامعة واقسم انها ليست بعض خيالاته تلك المرة.. دون تردد سحبني من يدي لأتأكد دون ان ادري الي أين. نفضت يدي ونهرته في عنف متهدج علي وقع اضطرابه ودون مقدمات فجأة واجهتني تلك البقعة الدموية علي قميصه كوحش رابض يعلن حقيقة لم أرها قبل الآن, يعلنها في قوة حاسمة.واجهتني عيناه في تضرع دون أن تدع لخيالي مهربا يلجأ إليه وحين ضاق الحصار شعرت بدوامة تبتلعني الي المركز فاهبط إلي أسفل و....سقطت. ولاء جمال يوسف نجع حمادي قنا