في التالتة شمال..بنهد جبال..وبأعلي صوت جايين بنشجع الأبطال..فريق كبير.. فريق عظيم..أديله عمري وبرضه قليل. بهذه الأهازيج تبدأ رحلة مشجعي الدرجة الثالثة أمام بوابات ستاد القاهرة بعد أن توافدوا في مجموعات لمشاهدة المباراة باستخدام الميكروباص وأتوبيسات النقل العام التي تعلن حالة الطوارئ في أيام مباريات كرة القدم.. طريق أسفلتي طويل يبدأ من شارع صلاح سالم يقودك للبوابة3 حيث تبدأ الوجوه في الالتقاء ويشير البعض للآخر بعلامات النصر. ومع أول نقرة للدف الطبلة الشعبي تبدأ مرة أخري سيمفونيات الجماهير المرتجلة والمتوارثة علي مدار المواسم الكروية. وما ان تشير عقارب الساعة إلي الخامسة حتي تبدأ أعداد الجماهير في الازدياد وتصل قاطرة الدرجة الثالثة إلي أرض الكرنفال..فعلي الجانبين نري بائعي الأعلام والأبواق والشارات وجميع آلات التشجيع التي بالطبع تحمل علامة صنع في الصين..تبدأ أسعار الأعلام مع أول وفود الدرجة الثالثة بخمسة عشر جنيها للعلم الواحد وتبدأ أسهمها في الهبوط مع مرور الوقت واقتراب صافرة بدء اللقاء وإغلاق البوابات وكذا تكون الحال مع بائعي الأبواق والشارات إلي أن يصل سعر العلم الواحد إلي أربعة جنيهات وإنت وشطارتك. وفي ظاهرة ابتدعتها جماهير الدرجة الثالثة نجد رسامي الوجوه بندائهم الشهير ترسم علم بجنيه..علم الفوز..وأبوتريكة والقلب الأحمر بجنيه.. والغريب أن هذه السبوبة جاء بها جماهير الدرجة الثالثة مجاراة للمثل القائل الرزق يحب الخفية فغالبية الرسامين وبائعي الأعلام هم في الأصل جماهير درجة ثالثة اشتروا فرشا وألوانا وأعلاما لبيعها قبيل الدخول إلي المباراة بعد أن توفر لهم مشاريعهم الموسمية المتناهية الصغر حق التذكرة التي لايتعدي الخمسة عشر جنيها في المباريات الكبيرة مثل لقاء قطبي الكرة المصرية, وتقل في المباريات العادية لتصل إلي خمسة جنيهات للتذكرة الواحدة..وهو ما أكده محمود طه الطالب بكلية السياحة والفنادق والقادم من محافظة سوهاج لمشاهدة مباراة والذي أضاف أن لمشاهدة مباريات كرة القدم متعة في مدرجات الدرجة الثالثة متعة خاصة ومذاقا لايتذوقه من يرتاد المقصورة الرئيسية والدرجتين الأولي والثانية..كما أضاف أن فكرة رسم الوجوه جاءته مع تكرار زيارته للاستاد واكتشافه لسر المشروع وهو الفرشاة والألوان والتي تقوم برسمها جماهير زيي زييهم. لحظات تمر ويصل عدد الجماهير للآلاف..آلاف من جماهير الدرجة الثالثة يسلكون طريق المتعة التي توفرها لهم كرة القدم رغم التشديد الأمني وحصار الشمس والزحام الخانق..آلاف المشجعين في مشهد كرنفالي يخطون خطوة بخطوة علي رصيف مسور لاتزيد مساحته علي نصف المتر..ورغم ذلك فهم مصرون علي الاستمتاع بأقل التكاليف فتستمر أغانيهم..إلي أن يوفقهم الحظ أو الوقت في الوصول أخيرا للبوابات فيرفع كل منهم تذكرته أمام الحراسة الأمنية المشددة لمنع تسلل غير حاملي التذاكر. ولأنهم جماهير الدرجة الثالثة.. ولأن كرة القدم تمثل لهم متعة لاغني عنها..يصنعون هذا المشهد في تلقائية شديدة ورضا أثار دهشتي وعجبي..إنهم يقومون بشرب كل كميات المياه التي أتوا بها لتعينهم علي لفحة الشمس داخل المدرجات..وكذا المياه الغازية..يقول هشام إبراهيم إننا تعودنا أن نشتري زجاجات المياه والعصائر ونفرغ كل ماتحتويه قبل الدخول مباشرة وكأنها ساعة السحور الرمضاني أو نترك قليلا منها لصاحب النصب لأن الدخول بزجاجات المياه ممنوع داخل مدرجات الدرجة الثالثة منعا لأحداث الشغب..تلال من الزجاجات البلاستيكية وصاريات الأعلام تجدها أمام بوابات الاستاد تفسد فرحتنا قليلا كما يقول محمد حسن عبدالعزيز والذي يضيف أن الأغرب في مدرجات الدرجة الثالثة أن هناك بعض الباعة يتسللون إلي الداخل ويبيعون الأعلام بصواريها البلاستيكية..ولكن لله في خلقه شئون فالجماهير التي تزور الاستاد للمرة الأولي لاتعلم ذلك فتشتري من الباعة وتمنع من الدخول بصواري الأعلام..أما المتودكين أمثالي فينتظرون حتي عبور البوابات. ومن الداخل يستمر مسلسل ولاد البلد..هي دي مصر..كما يقول أكرم أسامة حسين المشجع المحنك في خبايا الدرجة الثالثة مشيرا إلي أسرة درجة ثالثة تجلس أمامه وتقدم له ساندويتش فول ويضيف: هنا لامكان للتحرش كما يدعي البعض ومحظوظ الذي يجلس بجوار أو أمام أسرة جاءت تستمتع بالمباراة..ويضيف مبتسما فكما تري غالبا مايتولون مهمة الطعام. أما أحمد الفيشاوي ترزي شعبي فيقول: الشيء الوحيد الذي يفسد يوم الجماهير في الدرجة الثالثة هو المستوي المتردي للحمامات والتي غالبا ماتكون معطلة بسبب الضغط عليها من قبل هذا الحشد الهائل من الجماهير دون أي صيانة..ويضيف أكرم الفيشاوي ترزي حريمي وكذلك ليس من المعقول أن يأتي فرد مثلي من منطقة شعبية مثل دار السلام فيمنع من إصطحاب المياه معه ويشتري كوب المياه المعلب هذا بثلاثة جنيهات وأشار إلي كوب بلاستيكي يباع بالمدرجات ليس أكثر من100 جرام. في مدرجات الدرجة الثالثة لامكان للعشوائية..التشجيع منظم..الهتاف واحد موحد.. الحركة جماعية..الأداء فني راق..بفعل الألتراس الذين تطوعوا لتنظيم التشجيع يرتدون تي شرتات مميزة كتب عليها الثالثة شمال ليتناوب كل منهم قيادة التشجيع في مبارة.قصص وحكايات..متعة تبدأ مع صافرة الحكم..تتعالي مع الانفراد بحارس المرمي..تتأوه وتتعلثم وتنفجر مع ارتطام الكرة بالعارضة..وتصل للذروة مع إهتزاز الشباك..معلنة وصول بركان المتعة والفرحة إلي مدرجات الدرجة الثالثة بأقل الأسعار..فرحة لايفسدها العطش أو لفحة الشمس..لأنهم أبناء الدرجة الثالثة.