أهدي السطور التالية للمتاجرين بالدين وحاملي أختامه في الداخل, وللمتاجرين بحقوق الإنسان ونحانيح المصالحة والديمقراطية في الخارج, خاصة في الولاياتالمتحدة..فقد كنت أحضر مهرجان أفلام العالم بمونتريال في سبتمبر2007. وفوجئت به يعرض ضمن مسابقته الدولية الرسمية للأفلام الطويلة الفيلم الأمريكي فجر سبتمبر للمخرج كريستوفر كين, بطولة النجم الكبير جون فويت الذي كرمه المهرجان بحضوره. يكشف الفيلم ستر مجزرة دموية بشعة ارتكبها المتطرفون الدينيون الأمريكيون من طائفة المورمون ضد أمريكيين آخرين لمجرد أنهم من طائفة أخري وقتلوا خلالها120 شخصا بريئا ومدنيا معظمهم من النساء والأطفال والأهم أنه جري التعتيم علي الجريمة في أجواء من السرية والكتمان والتامر, وتمت حماية أسماء وسمعة زعماء الجريمة في أجواء من السرية والكتمان والتآمروتمت حماية أسماء وسمعة زعماء منيسة المورمون ولم يحاكم أو يدن أحد في المجزرة سوي شخص واحد فقط أعدم بعد عشرين عاما من وقوعها وقدم ككبش فداء,أي أن أرواح الضحايا مازالت حائرة تنتظر القصاص من المجرمين الحقيقيين. الفيلم لطمة حقيقية للإدارات الأمريكية المتعاقبة, وتأثيره القوي ينبع من عرضه في المسابقة الرسمية لمهرجان دولي كبير في غمرة الاحتفال وقتها بذكري أحداث سبتمبر2001, وللمصادفة الغريبة, فقد جرت المجزرة الأمريكية يوم11 سبتمبر منذ157 عاما, ودلالة اليوم واضحة ومقصودة في الفيلم ولاتخفي علي أحد, وتعد رسالة واضحة للإدارة الأمريكية ملخصها كما قال ملصق الفيلم ونشرته الإعلامية ونجمه جون فويت في المؤتمرات الصحفية التي عقدها في مونتريال أن التطرف الديني لايقتصر علي دين بعينه, وأن سلوك المتطرفين واحد في كل الأديان, وأن العنف ليس سمة تلتصق بأمة دون غيرها, بل سلوك بشري منحرف ينتج عن مدي توافر ظروف معينة وبيئة محددة من التطرف والجهل وانعدام الأخلاق في أي أمة مهما علا شأنها الاقتصادي والاجتماعي. كما ينبع تأثير الفيلم القوي من جودة صنعه, والدراما المتماسكة التي يقوم عليها, والأداء المبهر للمثل المخضرم جون فويت, والنجمين الجديدين اللذين اكتشفهما كريستوفر كين ومن المتوقع أن يكون لهما شأن كبير مستقبلا وهما ترنت فورد وتمارا هوب. وكان علي فويت العبء الأكبر وهو يؤدي دور زعيم طائفة المورمون المتطرف الذي يعطي أول إشارة للتخلص من قافلة الأبرياء الذين تسميهم طائفته الجنتايل, بعد أن لمعت عيناه وهو يشاهد قطعان البهائهم والخيول التي يملكونها وفكر في الاستيلاء عليها لأن طائفته أولي بكل هذا الخير..وهي شخصية شديدة الصعوبة والتعقيد لأن كل هذا التطرف وكل هذه الميول العدوانية الدموية تختفي تحت وجه شديد التسامح والبشاشة والهدوء يليق تماما برجل دين يعهد رمزا للخير وله18 زوجة وعشرات الأطفال( وهذه إشارة إلي تهمة أخري توجه إلي لإسلام وحده) فتعدد الزوجات ليس مسموحا لزعيم المورمون فحسب لكن لكل رجال الطائفة.,. لقد قدم فويت شخصية رجل لايظن نفسه فقط ظل الله علي الأرض, بل يتصرف كأنه إله صغير, ويقدم نفسه لمن لايعرفونه قائلا إنه رئيس الكنيسة وقائد الجيش والحاكم وكل شيء! ويبدأ السيناريو, الذي كتبه المخرج بالاشتراك مع كارول وانج شاتر, من نقطة الهجوم مباشرة, حيث يصل الكابتن الكسندر فانشر( شاون جونستون) إلي منطقة ماونتن ميدوزبولايةيوتا الأمريكية علي رأس قافلة من المهاجرين تضم أسرته قادمة من أركانصو في طريقها إلي ولاية كاليفورنيا سعيا لمستوي أفضل من المعيشة..ويطلب فانشر من زعيم المورمون جيكوب صامويلسون(فويت) أن تستريح القافلة علي أرضه لمدة أسبوعين حتي تستعيد الحيوانات قوتها.. ويوافق رجل الدين لكنه يطلب من ابنه الأكبر جوناثان وإحدي بنات القافلة وتدعي إميلي( تمارا هوب) علي طريقة روميو وجولييت. ويجد رجل الدين المتطرف نفسه بين قرار الكنيسة الذي سعي إليه ورغبة ابنه العاشق وينحاز علي الفور إلي الواجب المقدس ويقيد ابنه بالأغلال حتي لاينقذ أعضاء القافلة أو يحذرهم..وتبدأ المجزرة بخدعة خسيسة يتخلي الرجال بموجبها عن أسلحتهم بإرادتهم لتدور واحدة من أبشع عمليات القتل الجماعي التي صورتها السينما,خاصة فيما يتعلق بقتل الأطفال دون أدني رحمة أو شفقة..وعندما يتوقف أحد المورمون عن القتل للحظات, يذكره قادته علي الفور بالواجب المقدس فيعود لاستئناف حصد الأرواح البرئية, حتي بلغ عدد الضحايا120 شخصا معظمهم من النساء والأطفال في هذا الفجر الدموي ليوم11 سبتمبر1857, وفي أول عمل معروف من أعمال الإرهاب الديني علي أراضي الولاياتالمتحدةالأمريكية. إنه القتل باسم الله, كما يقول مخرج الفيلم كريستوفر كين في مادته الإعلامية, ويوضح: جذبني موضوع الفيلم لأنه يتشابه بشدة مع التطرف الديني الذي يعاني منه العالم اليوم..لقد قتل الأبرياء منذ أكثر من150 عاما باسم الله ومازالوا يقتلون حتي الآن باسم الله أيضا. ورغم أن القتل تم باسم الله, تنكر القتلة في زي الهنود الحمر حتي يلصقوا الجريمة بهم, وتخلوا عن شرف إعلان قيامهم بالواجب المقدس..كما طال الفساد والتآمر دوائر القضاء والعدالة فلم يجر تحقيق جاد في المجزرة, وعندما زادت ضغوط أهالي الضحايا, أقيمت محاكمة صورية أدانت شخصا واحدا فقط هو جون لي( وكأنه وحده يمكن أن يقتل120 شخصا)..وبعد جلستين فقط, حكم عليه بالإعدام, ونفذ الحكم بعد20 عاما كاملة من وقوع المذبحة, فيما ظل المتهمون الحقيقيون طلقاء حتي اليوم, ينفثون سمومهم المتطرفة في كل مكان.