أغلق القضاء قضية هايدلينا بالحكم غير القابل للنقض الذي أصدره بتبرئة المتهمين في القضية. ليس هناك أروع من ظهور براءة متهم, فتهنئة للدكتور هاني سرور الذي لا أعرفه ليست لدي مشكلة مع حكم البراءة, فأحكام القضاء عندي هي عنوان الحقيقة. ولكن مشكلتي هي تشككي فيما إذا كان الرأي العام الواسع يتعامل مع هذا الحكم القضائي بنفس الطريقة التي أتعامل معه بها. فالجدل السياسي والإعلامي الذي أثارته هذه القضية كان من السخونة والتحيز إلي درجة لم تكن تسمح لأحد بالتشكك في حقيقة الاتهام الذي تم توجيهه للدكتور سرور وآخرين. بدأ الأمر بالعبارات النارية والاتهامات القاتلة التي أطلقها أحد أعضاء مجلس الشعب في حق الدكتور هاني سرور. تلقفت الصحافة الخيط وراحت تتعامل مع القضية كما لو كانت الإدانة ثابتة في حق المتهمين. تأكدت ميول الإعلام واتجاهاته من روح الاستنكار وعدم التصديق الذي قابلت به حكم البراءة الذي صدر لصالح الدكتور سرور في أولي درجات التقاضي, ثم من مشاعر الانتصار التي عبر عنها عندما قامت النيابة بالطعن في حكم البراءة, ثم أخيرا في العناوين العريضة التي تصدرت الإعلام عندما صدر حكم الإدانة في ثانية درجات التقاضي. الفتور الذي قابل به الإعلام حكم البراءة الصادر بحق المتهمين في قضية هايدلينا جعل إعلامنا يبدو ليس كباحث عن الحقيقة, إنما كشريك في حملة لاصطياد الساحرات تحت دعوي محاربة الفساد, مع أن القضية وتطوراتها وأحكام القضاء المتعارضة فيها تتيح الفرصة لكتابة ألف قصة صحفية مثيرة. في اختلاف القضاة رحمة, وهذه هي الحكمة من تعدد درجات التقاضي, لكن المؤكد أن التضارب الشديد بين أحكام القضاء في مستوياته المختلفة يثير من الشكوك وأسباب الحيرة الكثير, وهذا هو ثاني أسباب تشككي في مدي ارتياح الناس لهذا الحكم وتصديقهم له. أظن أن التغطية الإعلامية المتحيزة, والتي أصدرت علي المتهمين حكما بالإدانة حتي قبل أن يعرض الأمر علي القضاء, خلقت رأيا عاما أثر بدرجة ما في أحكام القضاء, فالقاضي في النهاية بشر, وليس من السهل علي البشر مقاومة ضغوط الرأي العام, لدرجة أنه أصبح لدي شك عميق في إمكانية تحقيق العدالة فيما يسمي قضايا الرأي العام.