لم يكن لقاء الرئيس الأمريكي باراك أوباما مع الدالاي لاما هدفه الاول كما قال البيت الابيض هو دعم حقوق الانسان في اقليم التبت وانما هدفه الاساسي ممارسة ضغوط سياسية علي بكين في ظل تنامي الدور الصيني في العالم خاصة فيما يسمي بمناطق النفوذ الامريكي. وفور الاعلان عن خبر استقبال اوباما للزعيم الانفصالي الدالاي لاما سارعت الخارجية الصينية برفض ذلك اللقاء والتحذير من نتائجه بل انها قالت إن ذلك يعتبر تدخلا سافرا في الشأن الداخلي الصيني وسوف تكون له نتائج سلبية علي العلاقات بين البلدين في المستقبل. وليست هذه هي المرة الاولي التي يستقبل فيها أوباما الدالاي لاما فقد استقبله عام2011 كورقة ضغط أيضا علي الصين ولكن هدف اللقاء الرئيسي هذه المرة هو ارسال رسالة واضحة ليس لبكين فقط ولكن أيضا لحلفاء واشنطن في منطقة آسيا الباسيفيك وهما اليابان وكوريا الجنوبية مفادها ان واشنطن تدعم سياسية طوكيو وسول ضد بكين في قضايا الجزر المتنازع عليها في بحر الصين الجنوبي وان استقبال الدالاي لاما يخدم توجهات الحليفين الأمريكيين ويسعي إلي تشتيت التركيز الصيني بشأن قضايا اخري عديدة في مناطق اقليمية ودولية. ومنطقة التبت والتي تسعي السياسة الخارجية الأمريكية إلي استخدامها في حرب تكسير العظام مع بكين منطقة جبلية تتمتع بالحكم الذاتي واحيانا بطلق عليها سقف العالم بسبب ارتفاعها الكبير علي مستوي سطح البحر والذي يصل الي4000 متر ويصل عدد سكانها الي2,8 مليون نسمة ولاتطبق الحكومة الصينية بالاقليم سياسة تنظيم الأسرة اي الطفل الواحد لكل أسرة وهو مايزيد من معدل السكان بالاقليم..اما كلمة الدالاي تعني محيط الحكمة ولاما تعني الروحي وقد فر الدالاي لاما من الصين إلي الهند عام1959 ولم يعد اليها حتي الآن. والمؤكد أن الحرب بين واشنطنوبكين لن تتوقف في ظل اصرار واشنطن علي الاستمرار في دعم الملفات الشائكة بالنسبة للصين خاصة دعم تايوان عسكريا من خلال ارسال صفقة سلاح لها قيمتها6,5 مليار دولار رغم معارضة بكين الشديدة لتلك الصفقة وكذلك اثارة مايسمي بحقوق الانسان في التبت بالاضافة الي ملف الصراع علي الجزر في بحر الصين الجنوبي بين بكينوطوكيو وسول وهو الصراع الذي تطور بشكل كبير في السنوات الاخيرة وبدلا من أن تسعي واشنطن الي لعب دور الوسيط النزيه في حل الازمة الا انها أصرت علي الانحياز الكامل لليابان وكوريا مما أثار توترا شديدا في العلاقات مع الصين. والأزمة الحقيقية من وجهة نظري في الصراع الأمريكي الصيني هي أزمة السعي للسيطرة وفرض النفوذ الأمريكي في منطقة آسيا الباسيفيك والتي تعتبرها الصين الظهير الحقيقي والامتداد الطبيعي لها ولكن الدبلوماسية الامريكية التي فشلت في الشرق الاوسط خاصة في ادارة ملفات الصراع بها وفي مقدمتها الصراع العربي الاسرائيلي حيث أضر الانحياز الأمريكي المستمر لاسرائيل بالصورة الذهنية للادارة الامريكية لدي الشارع العربي بالاضافة الي الفشل الامريكي الكبير في العراق وأفغانستان بسبب عدم ادراك الدبلوماسية الامريكية لحقيقة الاوضاع علي الارض وتجاهلها لثقافة الشعوب في تلك المنطقة. وبالتالي دفع ذلك الفشل ادارة أوباما الي البحث عن مناطق نفوذ جديدة تهدد بها النفوذ الصيني المتزايد في منطقة آسيا الباسيفيك من خلال قواعدها في اليابان وكوريا وتسعي الي وقف الهجمة الاقتصادية الصينية الكبيرة علي الاسواق الامريكية خاصة بعد ان وصل حجم التبادل التجاري بين واشنطنوبكين إلي500 مليار دولار معظمها لصالح الصين وهو مايزعج الجانب الامريكي كثيرا وبالتالي تلجأ الادارة الامريكية إلي اثارة المشاكل امام الصين وخلق مناطق توتر لها. وأعتقد ان الادارة الامريكية والتي تشعر بأن الصين بدأت تحل محلها في افريقيا والدول العربية من خلال منتدي التعاون الصيني الافريقي ومنتدي التعاون العربي الصيني لن تتوقف عن دعم القضايا الخلافية للصين مع الدول الاخري خاصة قضية الجزر مع اليابان وكوريا وأيضا استقبال الدلاي لاما ودعم تايوان رغم الازعاج الشديد للصين من تلك التوجهات ولكن السياسة الخارجية الصينية لا تسعي للصدام مع واشنطن بقدر ماتسعي لانهاء اي نزاع لها مع اي طرف آخر والاستمرار في رفع معدلات التنمية رغم وصولها الي المركز الثاني في الاقتصاد العالمي وازاحة اليابان منه.