"من الصعب أن تُحرر الحمقي من السلاسل التي يقدسون" (فولتير).. كان الملك فؤاد يناصب حزب الوفد العداء ويبغض شعبية مصطفي النحاس الجارفة، والذي قدم استقالته 20 يونيو 1930 فعين الملك فؤاد الطاغية إسماعيل صدقي رأس حربة للثورة المضادة، فألغي دستور 1923 العظيم، والذي أسس لملكية دستورية، واستبدله بدستور مشوّه علي مقاس الملك والإنجليز. وهكذا اندلعت مجدداً شرارة الثورة، فاعتصم الوفد والفرقاء السياسيين بحبل الوطن في جبهة انقاذ قادت الحراك الشعبي فنظمت النقابات العمالية سبعة اعتصامات كبري واستقال 75 % من مشايخ وعمد الريف ليدفع بعدها المصريين ثمنآ باهظآ من دمائهم فخرجت مظاهرات نسوية حاشدة، استشهد منهن 7 وجرح 127 و اشتعلت جامعة فؤاد الأول بمظاهرات طلابية عارمة. وواجه "صدقي" عنفوان الغضب الشعبي العارم، باستئجار الإخوان كظهير وهمي للثورة المضادة، مقابل معونة مادية حكومية، فاستدعى "صدقي" بعد عودته من لندن بساعتين حسن البنا وأطلعه على اتفاقية "صدقي- بيفن"، قبل أن يطلع عليها "النقراشي" و"هيكل" شركاء الحكم، وطلب منه أن يركب سيارة سليم زكي باشا مساعد الحكمدار المكشوفة، ليعمل على تهدئة الجماهير، فابتدع حسن البنا سنة سيئة بخداع البسطاء بشعار (القرآن دستورنا )، ليدغدغ مشاعرهم الدينية ليمرر دستور الاحتلال والاستبداد! ثم تلاه بشعار (الله مع الملك حامي المصحف)، نكاية في شعار "الشعب مع النحاس"، وبلغ نفاق الإخوان مداه عندما قالوا: "واذكر في الكتاب اسماعيل". هذه الجماعة لم تثر أبدآ طوال ثمانية عقود علي أي نظام، وعاشت آمنة مطمئنة في بيت الطاعة للسلطة الحاكمة، بل وتحالفت مع كل الديكتاتوريين أمثال زيوار باشا، ومحمد محمود إلي حسني مبارك. وكان حسن البنا يقول: "أما الثورة فلا يفكر الإخوان فيها، ولا يعتمدون عليها، ولا يؤمنون بنفعها ونتائجها"، وعلي الرغم من التاريخ الأسود لعلاقة الإخوان بالثورة كفكرة ومنهج؛ إلا أن النخبة الثورية، غضت الطرف عن انتهازية الجماعة؛ فالتهم ذئاب الإخوان حملان الثورة، فكانوا آخر من دخلوا الميدان بعد أن اطمأنت قلوبهم بنجاح الثورة، وأول من طعنوا الثوار بخنجر مسموم من الظهر باجتماعهم مع عمر سليمان سرآ وجهرآ ثم ما لبثوا أن هرولوا بالخروج من الميدان بعد أن زاغت أبصارهم علي اقتسام غنائم تركة مبارك البائسة فعقدوا الصفقات المريبة مع المجلس العسكري. واستغلوا سذاجة الثوار في صراعهم المحموم علي السلطة كورقة ضغط رابحة لتكسير عظام الجنرالات، بإطلاقهم شعار "يسقط يسقط حكم العسكر"، الذي أدي لتسريع وتيرة تسليم السلطة للجماعة الجائعة علي طبق من ذهب. وأخيرا كانت الطامة الكبري بترتيب اجتماع "فيرمونت" في اللحظة الفارقة، بإنقاذ جبهة عاصري الليمون الإخوان من السقوط أمام الفريق أحمد شفيق فكان ذلك طوق النجاة لوصول سفينة الإخوان إلي بر نعيم قصر الاتحادية. وما إن وصلوا إلي هناك حتي أذاقوا الثوار "جزاء سنمار"، سواء بالاغتيال المادي والمعنوي وتنكروا لكل أهداف الثورة وبدوءا تمكين "حلم البنا" بأخونة الدولة وإلباسها عمامة الاستبداد علي الطريقة الباكستانية، لولا جسارة عبدالفتاح السيسي فارس موجة 30 يونيو، والذي حرر مصر من السبي والذل في "حرملك" المقطم، بعد أن كانت ملك يمين المرشد، لكن للأسف لم تتحرر معها عقول شباب الثورة من المراهقة السياسية، وقرروا الوقوع مجددآ في فخ الإخوان وعزفوا منفردين نغمة نشازا برفض فكرة ترشح السيسي للرئاسة، متعالين علي رغبة قطاع كبير للشعب يري في الرجل بطلهم تحت تهافت عودة حكم العسكر وإعادة أكذوبة مرشح الثورة. لنكن واقعيين.. لن يفيد هذا التعنت الطفولي تجاه عدم (تثوير السيسي) وإعطائه فرصة لإصلاح ما افسده المجلس العسكري، ببساطة الرفض المستميت لترشيح السيسي هو شعبيته الجارفة والخوف من نجاحه كرئيس مدني منتخب بإرادة حرة ونزيهة من المصريين، وهذا يعني فقدان آخر أمل للإخوان للعودة للسلطة من الباب الخلفي، وانتهاء حلم كل "عبده مشتاق"، للمنصب الرفيع، وإسدال الستار علي فشل المسرحية الأمريكية للشرق الأوسط الكبير.. الخبر السئ لكل هؤلاء هو إصرار المصريين علي حقهم في اختيار رئيس إخصائي أمن قومي يجري لها جراحة دقيقة لسرطان الإرهاب والفساد والفقر. بوضوح هذا هو النداء الأخير للثوار الحقيقيين قبل فوات الأوان، وانطلاق قطار "السيسي" السريع، والذي ربما يتعرض للسطو من فلول الدولة العميقة، لذا يجب علي عاصري الليمون النضج سياسيآ وإبقاء شعرة معاوية موصولة، وعرض مبادرة فيرمونت2 الجديدة للتأكيد علي مطالب ثورة 25 يناير لتكون أساس والتزام سياسي وأخلاقي علي عاتق "السيسي".. حسنآ لا يمكننا توجيه الريح، ولكن يمكننا تعديل الشراع حسب اتجاهها.