كلما كان الصراع أصعب، كان النصر أكثر مجداً؛ فتحقيق الذات يتطلب صراعآ في غاية العظمة.. سوامي سيفاناندا راهب هندي.يحكي يا سادة يا كرام في حاضر العصر والأوان أن "خياط" وجد محتالا طريقاً إلي عقل ملك ساذج، أوهمه بأن يصنع له ثياباً ليس لها مثيل ذات ميزة عظيمة، وهي أن الأغبياء وحدهم لا يرونها! انبهر المغفل باختراع النصاب، وجمع أركان الدولة في القصر الفخيم ليشاهدوا الحدث الجلل، فدارت الآلة الإعلامية بأقصى سرعة لحشد القطيع الكبير لرؤيه الطلة الملكية البهية، وفي باحة القصر بدأ الساحر عرضه المثير للدهشة، وبدأ يخلع ثياب الملك قطعة قطعة ويلبسه الوهم المزعوم. أصبح المسكين يتعري أمام حاشيته وهو مذهول من ردة فعل وزارئه الذين هللوا: "ما شاء الله يا مولاي نهنئكم علي ذوقكم الرفيع"، وعلت صيحات إعجاب مستشاريه الذين أقسموا أن هذه الثياب المدهشة شئ لا يصدق، وحتي زوجته وأبناؤه أكدوا أنها لائقة عليه تمامآ. خشي الجميع أن يقول له الحقيقة، فيصبح من الأغبياء ويغضب عليه، فيفقد مكانته ونفوذه لدرجة جعلت الملك يشك في نفسه ويصل إلي حافة الجنون، فثيابه تخلع قطعة وراء أخرى ولا بديل عنها.. فأسر الملك في نفسه قائلاً: هل من المعقول أن الكل يري هذه الثياب اللعينة وأنا فقط الذي لا يراها؟! هل يعني ذلك أنني الغبي الوحيد هنا؟! ثم ما لبث أن تعايش سريعآ مع الأمر وترجل بزهو الأغبياء عاريآ حتي من ورقة التوت التي تستر عورته نحو شرفة قصره، تعلو وجهه ابتسامة بلهاء، تفضح سعادته بافتنان القطيع به والذي صدمهم منظر مليكهم الأحمق العاري، فعم صمت مطبق ثم همهمات علي استحياء تخشي جبروت رئيس الحرس، وسرعان ما علا صوت جهوري من هتيف متمرس" تحيا ثياب الملك الفاتنة "، فردد القطيع كالعادة الهتاف بحماس سريالي. انتشرت نشوة عارمه بين المغيبين، لكن كان هناك شباب يافع لم يلوث بعد بنفاق السلطة تمرد علي الجميع واخترق بجسارة جدار ميدان التحرير المحاصر بالجنود المدججين، صارخآ بكل ما اؤتي من قوة وعزم: "مليكم عاري مليكم عاري"، فاستفاق الشعب من سبات أهل الكهف علي وقع حقيقه الملك العاري، واستعادوا بقايا عقولهم وكرامتهم، فصرخت الثورة فيهم مثل سيل هادر أطاح في وجهه دولة الخوف الغشيمة، وزلزل أركان عرش الفرعون في أيام معدودات. فرت الحاشية كالجرذان المذعورة، وباعوا الفرعون بثمن بخس، فكان السجن جزاءاً وفاقآ لما اقترفت يداه، من تجويعه وتجهيله وأمراضه، وإذلاله شعبه لمدة ثلاثة عقود، بعد أن استهوته شياطين القصر، ووسوست له أن يأكل من شجرة النفاق الممجوج، والتي آمن أنها شجرة الخلد وملك ?يبلي، له و لوريثه. للأسف كانت الأيام السعيدة في عمر الثورة الوليدة قليلة؛ بسبب تعرضها لسطو مسلح في وضح نهار الميدان من الإخوان وجمعية منتفعي الثورة، من المدربين والممولين، مع ارتباك واضح لكهول المجلس العسكري، بالإضافة الي عقاب كهنة الدولة العميقة للشعب، علي تجرؤه وثورته علي نظامهم العتيد، وهو ما حدث فعلاً. تبدو الثورة المضادة الآن منتشية بالانتصار وتشعر ان الأيام الخوالي ستعود من بعيد ولم يبق إلا لحظة تنصيب الملك الجديد، فبدأ التخطيط الشيطاني بنصب سيرك كبير لتقديم عروض بهلوانات كهنة مبارك القدامي، علي كل شكل ولون، في محاولة حثيثة لاختطاف عقل المشير عبدالفتاح السيسي في أوهام وأوحال الزعامة والفرعنة، وتصويره لنفسه أولاً وللجماهير ثانيآ، علي أنه المسيح المخلص لأزمات مصر المعقدة، ونسج شبكة العنكبوت من حوله لإطعامه طوعآ أو كرهآ من شجرة الخلد المهلكة، فهل يأكل السيسي من شجرة النفاق ؟ وهل يسقط "المشير" في الخطيئة الكبري ويُطرد من جنة قلوب المصريين، أم يخلف ظنون أعداء هذا الوطن، ويسد الباب أمام عودة الوجوه الكريهة، ويكون الزعيم المنتظر لثورة 25 يناير فيحقق أحلام ملايين المصريين، الطامحين لعيش وحريه وكرامة إنسانية، ويكون ملف العدالة الاجتماعية علي رأس أولوياته. ولا يسمح مطلقآ بعودة اقتصاد النصف في المئة، وينحاز بوضوح الي توزيع الحد الأقصي لعوائد التنمية المرتقبة، إلي الفقراء المهمشين خاصة في الصعيد والعشوائيات، وألا يخضع بالقول للذي في قلبه مرض تجاه الديمقراطية والحريات، ولا يضيق صدره بالنقد مهما شطط ويؤمن أن عصر الرموز والطلاسم والخطوط الحمراء والزرقاء انتهي الي غير رجعة، وأنه أجير لدي المصريين، وليس فرعونآ عليهم، ويعلم أن مصر لن تكون "قد الدنيا"، وبها عبيد حانقون؛ فالكرامة الإنسانية، شرط أساس للانتماء والإبداع. لذا يجب إعادة هيكلة وزارة الداخلية علي أسس مهنية، تضمن المعاملة المحترمة لأي مصري دون تمييز... سيدي عليك تأمل تجربة "مرسي"، ستجد فيها درسا بليغا، وهو فشل متواصل لملك وثلاثة رؤساء في إسقاط جماعة الإخوان علي مدار ثمانية عقود، وأن الذي أسقطها فقط في أقل من سنتين، هو غباؤها السياسي ...نعم فشلت محاولات تنظيم الإخوان، ومعه أمريكا وتركيا وقطر، في إسقاط الدولة، ولكن أخشي أن تنجح الثورة المضادة فيما فشلوا فيه. إذً فلتحذر.. فهي الفرصة الأخيرة لمصر كلها، فلا تدعها تفلت من بين أيدينا في قيام دولة وطنية ديمقراطية حديثة خالية من فاشية الإخوان، ومن فساد واستبداد دولة مبارك، وليكن دعاؤك دائماً "اللهم اكفني شر كهنة مبارك، أما الإخوان فأنا كفيل بهم".