أهم ما يميز الحزب الوطني في ظل قيادته الحالية حرصه طوال ثماني سنوات علي إستخدام أدوات علمية تحليلية لقرأءة عملية للواقع تبتعد عن التحليل النظري و ترتبط بما يقوله الناس مباشرة ولعل إستطلاع الرأي العام الذي يقوم به الحزب سنويا منذ العام2008 نموذج علي الأساليب التي يجب أن تتعاطي معها الأحزاب بإهتمام لمعرفة مردود و نتائج أفكارها و سياساتها و برامجها بين الناخبين. المهم في إستطلاع الرأي الأخير الإهتمام البالغ الذي منحه المستطلعون لملف الفساد بإعتباره أهم مشكلة سياسية في مصر, ويقابل ذلك الإنحياز إلي مطالبة الحكومة بمنح ملف الأسعار الأولوية الأولي في إهتماماتها. و في إعتقادي فإنه لا تناقص بين الأمرين حسب ما يعتقد البعض, لإن إعتبار الفساد المشكلة السياسية الأولي لا يعني منحه الأولوية في إهتمامات المواجهة خصوصا و إذا كان البديل هو المشكلة الحقيقية الملتصقة بحياة الناس اليومية و العائق أمام قدرتهم علي تلبية الإحتياجات الأساسية لهم و لأبنائهم. لكن الخشية أن يكون السبب في التباين بين رصد الإهتمام السياسي و بين تحديد المطلوب و منحه الأولوية هو اليأس من القدرة علي تحقيق نتائج فعلية في سياسة مكافحة الفساد. المؤكد أن مكافحة الفساد و محاصرته تلعب دورا بارزا في حصار ظاهرة إرتفاع الأسعار من جوانب مختلفة, و ليس صحيحا أنه لا صلة بين الأمرين, أو أن الإختيارين لا يتعارضان. فمن يرصد الفساد بإعتباره الظاهرة السياسية الأهم و يمنح الأولوية في الإهتمام للأسعار هو بالتأكيد يشعر بعدم الثقة في إمكانية مكافحة الفساد لذا يمنح الأولوية لملف أخر ربما تحققت فيه نتائج إيجابية تخفف عنه وطأة الحياة. لا تعني نتائج الإستطلاع في هذا الصدد أن يمنح الحزب الوطني الأولوية في الإهتمام لمكافحة إرتفاع الأسعار فقط و إهمال الإهتمام بمكافحة الفساد إنطلاقا من كونها لا تحتل المرتبة الأولي في المطالب. سياسة مكافحة الفساد تتطلب تفعيل أدواتها لمواجهة الإحتكارات و ما يترتب عليها من زيادة الأسعار, والأهم إعادة الثقة للمواطن في مفهوم الإدارة الرشيدة و في السياسات الحكومية و عدالة توزيع عائد عملية التنمية. [email protected]